السلام عليكم ورحمة الله،التمس المساعدة من اخواتي الانيقات،بمساعدتي في البحث في موضوع مشروعي الشخصي: طرق التأديب التربوي (العقاب التربوي)وشكرا جزيلا
lshu]m lk hghsjh`hj hghkdrhj
منقول للافادة
ثواب والعقاب ( تربويا و اجتماعيا )
لا يقتصر موضوع الثواب والعقاب على البعد التربوي المباشر فقط، بل يشمل هذا الموضوع، بأبعاده وخلفياته الفكرية والفلسفية، مجمل العلاقات بين الأفراد، وبينهم وبين المؤسسات التي تنظم تلك العلاقات. لذا عرفت المجتمعات البسيطة منها والبدائية، أشكالاً متنوعة من الثواب والعقاب. وربما أمكن القول إن المجتمعات اهتمت بأشكال العقاب وتطبيقاته أكثر من اهتمامها بالثواب وأساليبه، لأن ما يشغل العالم قديماً وحديثاً، وما يشغل المربين، هو كيفية ضبط السلوك ومنع الانحراف والحد منه، وهذا ما جعلته التشريعات الإلهية والقوانين الوضعية هدفاً لنفسها في معظم ما أنتجته في مراحلها المختلفة، وسبب هذا الاهتمام بالعقاب بالدرجة الأولى، يرجع إلى أن ما قد يترتب على الطرق الفاشلة وتطبيقها في موضوع الثواب لا يشكل خطراً أو تهديداً للفرد أو للمجتمع، كما هو الحال على سبيل المثال في التطبيق الفاشل لموضوع العقاب.
بين التربية الحديثة والواقع المجتمعي
الأمر الآخر الذي ينبغي الالتفات إليه، هو أن الثواب والعقاب مهما كانت درجة شدّتهما أو طريقة ممارستهما، لا بدّ من اعتبارهما كجزءٍ من إطار ثقافي واجتماعي وحضاري عام، وليس هناك أية عملية تربوية خارج هذا الإطار من القيم ومن المفاهيم، ولا يكفي أن نعتبر الثواب والعقاب مجموعة أساليب أو تقنيات يمكن اللجوء إليها بطريقة أو بأخرى، أو أن نكتفي بربط الثواب والعقاب ونجاحه بملاءمته لمبدأ التدرج، بل يجب الانتقال إلى هذا الربط على المستوى المعرفي العام الذي يقع الثواب والعقاب في إطاره. وأنا ألاحظ بهذا الصدد أننا نعيش حالة من التناقض، ربما لا نلتفت إليها كثيراً، بين أمرين:
الأول: هو ما تدعو إليه مفاهيم التربية الحديثة السائدة ومعها التطورات التي بلغتها العملية التربوية من اعتماد الأساليب التي تبتعد إلى أكبر قدر ممكن عن استخدام العقاب بأشكاله كافة. وتتباهى المدارس في مجتمعاتنا بأساليبها "الحضارية" و"الحديثة" في التعامل مع طلابها، وتمنع أساتذتها من استخدام العنف في قاعات الدرس أو في ******* استناداً إلى "النظريات الحديثة" في احترام حرية الطفل وشخصيته، ويُعتبر عدم اللجوء إلى القسوة أو إلى العنف مهما كانت درجته مقياساً للتفاضل بين هذه المؤسسة التعليمية أو تلك، وللتمايز عن التربية التقليدية التي كانت تعتمد الضرب والقسوة كما تذكر لنا ذلك الكتب التربوية أو الكتب التاريخية..
الثاني: التنافض الذي نعيشه، بين ما أشرنا إليه من رغبة عارمة في الابتعاد عن القسوة والعقاب، وما نعيشه من حالة العنف المتفاقمة التي يقدمها لنا المجتمع يومياً عبر وسائل إعلامه المختلفة. وهذا يعني أن الدعوة إلى تجنب العنف والعقاب في العملية التربوية تصطدم تلقائياً، أرادت ذلك أم لا، بما يشاهده الطلاب والأساتذة والمربون على شاشات التلفزة من استخدام للسلاح ومن سفك للدماء ومن اعتداء مباشر، وإذا كانت مثل هذه المشاهدات تساعد على إخراج ما بداخلنا من عنف وتوتر عبر ما نراه أمامنا، كما يذهب إلى ذلك بعض علماء النفس، فإن مثل هذه المشاهدات تساعدنا في الوقت نفسه على تكوين عادة اللجوء إلى العنف واستخدامه وعلى الألفة بيننا وبينه.
إن التناقض هنا ينشأ من كيفية الجمع بين هذين الأمرين، أي بين الدعوات التربوية الحديثة إلى تجنب العنف وعدم اللجوء إليه في ممارستنا التربوية وبين شيوع العنف والترويج له في وسائل الإعلام المرئية، علماً بأن هذه الوسائل تلعب أيضاً دوراً تربوياً وتثقيفياً من خلال تأثيرها على جميع أفراد المجتمع وليس على قسم محدد كما هو الحال مع المدرسة على سبيل المثال.
إن المشكلة تنشأ من هذا التناقض، لأن التربية ومفاهيمها وأساليبها كما هو معلوم، جزء من قيم المجتمع العامة، ولا يمكن أن نفصل ما يحصل داخل المدرسة عما يدور خارجها. ولا بد من الإشارة هنا إلى بعض المفاهيم الخاطئة التي تحاول دائماً أن تفصل بين الأسرة وبين المجتمع من جهة، وبين المدرسة وبين المجتمع من جهة ثانية. على أساس أن هناك مؤسسة اسمها الأسرة، وأخرى اسمها المدرسة، وهناك شيء آخر اسمه المجتمع، إن مثل هذه المفاهيم التي تنسحب بدورها على النظرة إلى توزيع الأدوار داخل الأسرة غير صحيحة، لأنه لا يوجد شيء اسمه المجتمع بعيداً عن العناصر التي يتكون منها، وفي مقدمها الأسرة والمدرسة، بالإضافة طبعاً إلى العناصر الأخرى كوسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية والاجتماعة والسياسية وسواها.. إن ما يقوم به المرء داخل مؤسسةٍ ما عائلية أو تعليمية أو سواها له علاقة بما يجري في المجتمع، وما تقوم به الأم في الأسرة أو المعلمة في المدرسة أو الموظف في أي مؤسسة ينطبق عليه هذا البعد الاجتماعي للفعل الإنساني أياً كان مصدره أو المكان الذي يحصل فيه.
إننا إذاً أمام المشكلة التالية: هل نأخذ بأسباب العنف التي يحرضنا عليها المجتمع عبر ما يبثه إلينا بطرائقه المختلفة؟ أم نترك ذلك إلى ما تفترضه التربية الحديثة من نبذ للعنف وللعقاب على أنواعه؟ دون أن ننسى أن العقاب مهما بلغت درجته، وحتى لو كان معنوياً، هو شكل من أشكال ممارسة العنف على الآخر.
إن المشكلة تكمن في هذا التناقض الذي يحصل بين واقع ما يجري في المؤسسات التربوية على أنواعها من استخدام متنوع ومتفاوت للعقاب، وبين ما تدعيه هذه المؤسسات من اعتماد التربية الحديثة وما تعرضه عن مفاهيم هذه التربية في دوراتها التربوية للمعلمين وللإداريين…
المشكلة الثانية في هذا الإطار تتجاوز مفاهيم التربية الحديثة التي تدعو إلى عدم اللجوء إلى العقاب، إلى ما ينتشر في العالم اليوم من دعوات تشدد على التسامح وعلى التربية على اللاعنف وعلى محبة الآخر. وإذا كنا نعتبر أنفسنا جزء من العصر الذي نعيش فيه، أو على الأقل نحن نعيش هاجس الانتماء إلى هذا العصر، فكيف نوفق بين مثل هذه الدعوات إلى التربية على المحبة وعلى التسامح، وبين استخدامنا اليومي للعنف في المؤسسات التربوية وفي البيوت وفي العلاقات الفردية المباشرة بين المعلم والتلميذ؟ وكيف نوفق بين الرغبة في الانتماء إلى العصر الذي نعيش فيه وبين اللجوء إلى أساليب تربوية أو تعليمية لا يقرها هذا العمل ولا يدعو إليها؟
حاجة المجتمعات إلى العقاب
إن ما تقدم من إطار نظري لا بد من الالتفات إليه قبل أن نبحث في التفاصيل المرتبطة بمبادىء الثواب والعقاب على المستوى التربوي، وهذا يعني أن علينا أن نربط بين ما نقوم به وبين الخلفية النظرية التي نحملها عن سلوكنا، لأن العقاب ليس مجرد تقنيات معينة يستطيع أي شخص أن يقوم بها، بل هو كما أشرنا جزء من تصوراتنا الفكرية ومن مفاهيمنا العامة، وهو لا ينفصل أبداً عن هذه التصورات وعن هذه المفاهيم.
العقاب ـ إذا أردنا أن نبحث في ماهيته ـ نوعان: مادي، ومعنوي. وهذا الأخير يمكن أن يكون رمزياً أيضاً، وللحقيقة ينبغي القول أن في كل عملية تعليمية ثمة ممارسة للعنف (بما هو تعبير عن العقوبة) على الطلاب. فالعنف هنا رمزياً وليس مادياً كالضرب على سبيل المثال.
إن الطالب يتعرض يومياً لمنظومة متماسكة من الضغط والإكراه (وهذا عقاب ودرجة من درجات العنف)، وتتمثل هذه المنظومة في طريقة الجلوس، وطريقة التدريس، والالتزام بالانضباط والانصياع للأوامر، وفي منعه من التحدث، أو من تناول الماء (حتى لصغار السن) وفي التضييق على حركته في الملعب، إلى إرغامه على حفظ الكثير مما لا يتناسب ودرجة إدراكه أو مما لا يفيده في حياته العملية أو حتى المستقبلية.
إن كل ذلك ينبغي الانتباه إليه، وملاحظه مدى علاقته بالعقاب أو بالعنف الرمزي لكي نقرر بعد ذلك هل سنضيف عنفاً إلى هذا العنف، أم أننا سنقلل من أعبائه؟ كما أن بعض المؤسسات التي نشأت لتلبي حاجات استثنائية في المجتمع كدور رعاية الأيتام أو المسنين على سبيل المثال، وهي مؤسسات تحتاج إلى نظام خاص من الانضباط يفرض على من يعيش فيها أن يستيقظ يومياً في ساعة معينة، وأن يتناول الطعام في ساعة أخرى، وأن يستمع إلى الأناشيد في وقت محدود وأن يركض أو يلعب أوينام وفقاً لبرنامج يومي صارم يصعب في مثل مؤسسات مماثلة تبديله أو تعديله. وهو نظام يصادر أكثر من 70 إلى 80 بالمئة من حرية الطفل أو المسنّ.
إن الأمر يشبه في هذه الحالة، مؤسسات الجيش التي يتقدم فيها النظام على أي اعتبارات أخرى، لأن الطفل في المؤسسات التي أشرنا إليها لا يستطيع أن يقرر بنفسه متى يريد أن يأكل أو متى يريد أن ينام أو أن يدرس، أو حتى أن يختار أصدقاءه. ولا يمكن إيجاد البدائل في هذه المؤسسات لأن وجودها ونوع الطلاب الذين يلجأون إليها تفرض مثل هذا النظام الشامل الذي يصعب معه إيجاد الفرص المناسبة للحريات الفردية.
إن التعلم بدوره يحتاج إلى قدر معين من العنف نظراً لعلاقة السلطة التي تسود بين الطالب والمعلم، ولا يمكن أن يحصل التعلم بدون هذه العلاقة، ولا تستطيع أي مؤسسة عملياً أن تقوم بوظيفتها التعليمية خارج هذه الضوابط التي تلتقي في مضمونها مع العنف الرمزي. وهذه الضوابط تشبه ما يحتاجه الجسم من "كوليستيرول" إيجابي يحتاج إليه الجسم للنشاط والحيوية، خلافاً للعنصر السلبي الذي يهدد الشرايين والقلب وصحة الإنسان.
إن هذا النوع من الانضباط ـ على الرغم مما يحمله من عقاب معنوي أو عنف رمزي ـ تحتاج إليه المجتمعات، قديماً وحديثاً، ولا يمكن لها أن تستقر بدونه، وعندما يتجاوز الأفراد هذه الضوابط التي تهدد ينبغي الانتقال إلى العقاب المادي الذي يهدف إلى الردع والتأديب وإلى إعادة الاستقرار والاطمئنان إلى الجماعة.
إن العقاب إذا انخفض عن المستوى الذي يخشاه الأفراد سوف يهدد المجتمعات بالفوضى، لهذا السبب تعتبر الامتحانات وطريقة إجرائها وما يجري فيها تعبيراً من تعبيرات العنف أو العقاب الذي يمارس على الطلاب، ولكن ـ حتى اليوم لا بديل عن هذه الطريقة وإن اختلفت مستويات التشدد فيها أو طريقة إجرائها من مكان إلى آخر، إلا أن الامتحانات تبقى من الثوابت التي لم يتقدم أحد ببدائل جدية لها.
إن تثبيت النظام في المؤسسة أو في المجتمع يحتاج إلى ما يمكن أن نعتبره عقاباً أو عنفاً بالمعنى الإيجابي للنتائج التي ستترتب عليه، لأن من المستحيل أن تحافظ أي مؤسسة على نفسها، وأي مجتمع على استقراره وتوازنه دون قدر من استخدام العقاب أو العقوبات الملائمة للانحراف، أو لتعديل السلوك أو لتنبيه الآخرين إلى ما سينجم عن تكرار مثل هذا الانحراف، فيكون العقاب عبرة ووسيلة للردع حتى لا يقع الآخرون في الأخطاء نفسها أكثر من مرة.
الاستخدام الحكيم للعقوبات
ولا يغيب عن بالنا بأنه لا بد من اختلاف طرق العقاب وأساليبه وفقاً للأهداف التي نرجوها منه، فإذا كان الهدف هو الردع الفردي، فلا مبرر في حالة مماثلة لعقاب المخطىء أمام جماعة الطلاب أو الرفاق، بينما يصح هذا الأمر عندما نريد أن ننقل التجربة إلى الجميع لكي يتعلموا منها ولا يقدموا على مثلها في المستقبل، إذن يجب أن لا تنفصل طريقة العقاب في أي لحظة عن الأهداف المرتبطة به.
ثمة مسألة أخرى لا بد من معالجتها في هذا الإطار، إذ كيف نمارس العقاب بدرجاته وأهدافه المختلفة، دون أن ندمر في الوقت نفسه شخصية الطالب أو المعاقَب؟ وأهمية التساؤل ومشروعيته تنبع من الحاجة المزدوجة إلى العقاب، وإلى احترام شخصية الولد، علماً بأن العقاب يحمل في طياته إساءة إلى الطرفين المعاقِب والمعاقَب، إذ يتحول الأول إلى نموذج للقسوة والقوة يفقد معه دوره التربوي والرعائي، وإزاء هذه المعضلة عمدت بعض المدارس إلى الفصل بين دور المعلم وبين دور المؤدب، وأوكلت المهمة الأخيرة إلى الناظر الذي بات على عاتقه مهمة المعاقبة والتأديب، فيوفر المعلم بذلك على نفسه نشوء علاقة غير سليمة بينه وبين الطالب قد تنعكس سلباً، في معظم الأحيان، على اهتمام الطالب بالمادة التي يدرّسها هذا الأستاذ، ولم يعرف نظام التعليم التقليدي في مجتمعاتنا هذا الفصل بين التعليم وبين التأديب، فقد كان معلم الكتّاب يحمل عصاً في يده يهوي بها على من أساء الأدب، و من لم يحفظ أبياتاً من الشعر أو سوراً من القرآن، كما كانت مفاهيم الأهل بدورهم جزءاً من هذا المنظور للتعليم والتأديب.. حتى ترددت كثيراً في السير التي روت تاريخ التعليم والكتاتيب مقولة الأهل الشهيرة وهم يخاطبون معلم الكتّاب بعد أن يسلموه ابناً لهم "اللحم لك، والعظم لنا"، والقصد من هذه المقولة تأكيد حرية المعلم في العقاب بواسطة الضرب، دون أن يصل الأمر إلى الإيذاء بتكسير العظم..
والمقصود من هذا الأمر إيضاح التلازم بين التعليم وبين التأديب والمعاقبة، لأن عملية التعلم نفسها تحتاج إلى قدر من السيطرة والضبط بينما ينـزع الإنسان، خصوصاً في سنوات طفولته ويفاعته، إلى التمرد على النظام وما يفرضه من صرامة في الانضباط نظراً لحاجته إلى الحركة، ونظراً لارتباط نموّه البدني بهذه الحركة.
جدوى العقاب وفاعليته
ثمة نقاش آخر ومن زاوية مختلفة لموضوع العقاب، يدور هذا النقاش حول فاعليته أو جدوى العقاب أمام الآخرين، وحول علاقة العقوبات وأنواعها بحقوق الإنسان. ويلجأ البعض إلى ذكر عقوبة الإعدام للتأكيد على السلبيات التي تحملها تجاه الفرد نفسه، وتجاه الآخرين الذين يشاهدون مثل هذه العقوبة. وقد ساعدت بعض الإجراءات في لبنان، عندما تمّ نقل وقائع عمليتي إعدام، على ارتفاع أصوات الاحتجاج على هذه العقوبة، نظراً لما تركته من آثار سلبية على بعض الأطفال الذين حاولوا تقليد عملية الإعدام وتعرضوا بسبب ذلك لأذى شديد.
وتختلف الآراء بين قانون وآخر في المجتمعات الإنسانية حول سبل العقاب وفاعليته على هذين المستويين، اي مستوى حقوق الفرد نفسه، ومستوى التأثير المطلوب على الآخرين لجهة الردع والتخويف. ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال تتم عملية الإعدام بواسطة الكرسي الكهربائي وليس بواسطة تعليق المشنقة، ذلك أنهم يعتبرون هذا النوع من الموت أكثر رحمة من المشنقة.
كما أن دولاً أخرى لا تقرّ مبدأ الإعدام أصلاً، وتستعيض عنه بالعقوبات المؤبدة، وليس ثمة رأي قاطع أو نهائي حول هذا الموضوع نظراً للتباين بين ما تراه التشريعات الدينية والقوانين الوضعية، وبين تجربة المجتمعات واختلاف ثقافاتها قديماً وحديثاً.
وقد أثير مثل هذا النقاش أيضاً بعد مجزرة "قانا" الشهيرة التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان ضد المدنيين أثناء عدوانها العسكري الواسع في نيسان/أبريل1996، وقد ذهب ضحية هذه المجرزة مئات من الأطفال والنساء والرجال، نقلت شاشات التلفزة صوراً لأشلائهم الممزقة وللجثث المحترقة ولأجساد انفصلت عنها رؤوسها.
وفي الوقت الذي رأى فيه البعض مثل هذه الصور فرصة للتحريض على العدو من خلال تسعير نار الحقد ضده نظراً للمجزرة البشعة التي ارتكبها، قال آخرون بأن مثل هذه المشاهد قد تؤدي دوراً سلبياً من خلال ما قد تسببه من إحباط أو خوف مما قد يفعله العدو بنا.
وفي هذه القضية أيضاً ليس هناك رأي موحد، إذ ستبقى الآراء متوازية بين من يدعو إلى السماح للأولاد بمشاهدة هذا النوع من المشاهد المؤلمة لتربية الحقد على العدو في داخلهم وتعويدهم على رؤية الواقع كما هو، وبين من يرفض مثل ذلك حتى لا نشوّه أفكار الأطفال وخيالاتهم وحتى لا نزرع الخوف أو الرعب في قلوبهم، وقد عمدت بعض الدول إلى حلّ لمثل هذا الخلاف، بالإعلان المسبق عن وجود مشاهد عنيفة أو قاسية في برنامج أو في تقرير تلفزيوني ما، بما يسمح لمن لا يرغب بمشاهدة هذا التقرير من الأطفال أو ذويهم بتجنب ذلك.
إن موضوع العقاب هو جزء من نظرة المجتمعات إلى الدور الملقى على عاتق الإنسان وإلى الهدف من وجوده، والعقاب أيضاً جزء من ثقافة المجتمع وما وصلت إليه في احترام الإنسان، فالسجون على سبيل المثال هي أمكنة تمّ إيجادها منذ القدم لممارسة العقاب بسبب جرائم ارتكبها بعض الناس، أو أذىً تسببوا به لآخرين، وفي هذه السجون نكتشف تلك النظرة وتلك الثقافة التي يحملها المجتمع في تقديره للشأن الإنساني، فثمة سجون يتم فيها تحطيم قدرات الإنسان المعنوية والجسدية، والتعذيب فيها هو القاعدة، بينما تعتبر ظروف الحياة اليومية خارج أي تصور أو احتمال، وبالمقابل ثمة سجون أخرى في بعض البلدان الغربية وفي الولايات المتحدة الأميركية يحصل السجين فيها على فرص متعددة للمطالعة وللرياضة أو لتعلم مهنةٍ ما… وقد روى بعض الشباب العرب، ممن اضطرتهم ظروف الحياة إلى السفر أو الهجرة إلى أوروبا ولم يحصلوا فيها على عمل أو مسكن، أنهم كانوا يفتعلون في بعض الأحيان مشاجرات تؤدي بهم إلى السجن كي يوفروا لأنفسهم مكاناً مناسباً للنوم أو لتناول الطعام…
إن العقاب في العملية الإدارية كذلك لا ينفصل عن الأهداف التي أشرنا إليها، إذ من الطبيعي أن نطرح في هذه العملية أيضاً الأسئلة نفسها حول ماذا نريد من العقاب، هل نريد منه الردع الفردي للمخطىء وحده أم نريده عبرةً للآخرين؟ وهل المقصود من العقاب تحطيم قدرات الطفل المعنوية، كما يحصل في كثير من الأحيان، أم أن الهدف هو مجرد ترشيد السلوك بأقل قدر ممكن من الضرر المصاحب لذلك؟
لا شك أن للتدرج في العقاب أهمية كبرى في هذا الشأن، خصوصاً من حيث تناسبه وحجم الخطأ، إلا أن ما لا ينبغي إهماله أيضاً أن العقاب وطريقته وأهدافه جزء من مفهومنا الفلسفي والتربوي والذي تعمل مؤسستنا التربوية على هديه، وهو في الوقت نفسه جزء من إطارنا الاجتماعي ـ الحضاري الذي ننتمي إليه مع مؤسستنا.
أما أبرز المعوقات التي تواجه تطبيقنا للعقاب والتي قد تحرفه عن أهدافه على الرغم من إدراكنا لها ومعرفتنا بها، فهي اللجوء إليه وفقاً لحالاتنا الغضبية والانفعالية وليس انسجاماً مع حجم الخطأ وضرورة معاقبته، إذ غالباً ما يحصل، سواء في البيت أو في المدرسة، إننا نعاقب الولد لا لأنه ارتكب خطأ يستحق ذلك بل لمجرد عدم قدرتنا على التحمل، أو لأننا في حالة من التعب أو الانزعاج أو الإرهاق.
إن الخطورة في حالة مماثلة وهي وللأسف حالة شائعة تكمن في اضطراب التمييز عند المعاقَب بين نوع الخطأ وحجم العقاب. فعندما يتحول العقاب إلى رد فعل ذاتي، يصعب على من يتلقاه أن يربط بينه وبين نوع الخطأ الذي ارتكبه. وهكذا يفقد العقاب هدفه ومبرر اللجوء إليه، والذي يتلخص في عدم تكرار الخطأ نفسه.
التدرج في العقاب
ومن أجل ذلك تعمد المجتمعات إلى إبعاد القضاء عن التجاذبات السياسية لكي يحافظ على نزاهته واستقامته في الأحكام التي يصدرها بحق المذنبين أو بتبرئة المتهمين، كما أن القضاء نفسه يلحظ التدرج في موضوع العقاب، فهو على سبيل المثال قد يصدر أحكاماً مخففة إذا كان المتهم مذنباً للمرة الأولى، وإذا كان الذنب لا يصل إلى حد الجرم أو القتل. بينما يتشدد الحكم عندما يكون المتهم كرر مرات عدة ما قام به حتى لو كانت أعماله مجرد جنح بسيطة.. لأن موضوع التدرج من أهم قواعد ومرتكزات العقاب ووصوله إلى أهدافه.
والتدرج سنّة من سنن الحياة في النمو والتطور والتقدم، وحتى في الشيخوخة والموت. ولهذا السبب لا ينبغي إغفاله أو إهماله. وعندما نزلت الأديان السماوية إلى البشر بدأت كما هو معلوم بتدرج واضح في الدعوة وفي تطبيق الأحكام وخصوصاً في موضوعي الثواب والعقاب.
ضرورة القصاص
وفي إحدى الدراسات الجامعية حول موضوع الثواب والعقاب أجريت عدة مقابلات مع مسؤولين ومربين ومدراء في مدارس مختلفة في بيروت، تبين من خلالها أولاً أن الجميع يلجأ إلى العقاب على الرغم من الرفض النظري أو التربوي له. وثانياً إن العقاب نوعين: رمزي ـ إذا صحت التسمية ـ كالحرمان من نشاط أو التوبيخ المباشر. ومادي جسدي كالضرب والتركيع والإيذاء، ويوافق مدير إحدى المدارس على العقاب باعتباره ضرورة للردع. بينما يرفض المدير المساعد العقاب الجسدي، ويعترف بالتقصير لعدم لجوئه إلى الإكثار من رحلات الترفيه التي تخفف الكثير من التوتر عند المعلم وعند الطالب على حدٍ سواء…
وفي الوقت الذي يؤيد فيه مدير آخر التربية الحديثة "المبنية على الحرية المدروسة والمقيدة"، تقول ناظرة القسم الابتدائي في المدرسة نفسها أنها تلجأ إلى القصاص الكتابي وإلى التركيع وإلى إرغام الطلاب على رفع الأيدي ووجوههم إلى الحائط، كما لا تخفي اضطرارها اللجوء إلى استخدام المسطرة للضرب في بعض الحالات أو تهديد التلميد بإسقاطه من صفّه، وترى في هذا التهديد الأخير أسلوباً ناجحاً كلما كان الولد أصغر سناً، ولا يشتكي الأهل من هذا النوع من العقاب، لأن التلميذ بحاجة إلى وجود شخص يهابه في الوقت الذي باتت فيه الشكوى على ألسن الأهل والمربين تتعاظم من عدم امتثال الأولاد للنظام أو للأوامر.
محاذير استخدام "الضرب"
وهنا لا بد من التوقف قليلاً عند موضوع الضرب كأسلوب من أساليب العقاب يتم اللجوء إليه في أحيان كثيرة، حتى دون الإقرار بذلك علناً، فمحاذير الضرب كثيرة، أخطرها أنه قد يحول الطالب، في حال استخدامه بكثرة، إما إلى خاضع ذي شخصية مستسلمة وضعيفة، وإما إلى متمرد مشاكس لا يأبه بالنظام وبالقوانين. وكلما استغرقنا في استخدام الضرب، بات بلا جدوى، لأن التلميذ يعتاد عليه، ولا يتوجس منه خيفة. وهذا سيضطرنا بلا شك إلى المزيد من جرعات الضرب التي ستحول المربي أو الأستاذ إلى ما يشبه الجلاد، والطالب إلى ضحية تنتظر تنفيذ العقاب بها…
والضرب من ناحية ثانية يجب أن يبقى بعيداً عن متناول الأيدي، أي أننا في الوقت الذي نعترف فيه بالحاجة إلى اللجوء إليه نشترط ألا يتم ذلك إلا في حالات محددة، ليبقى أكثر فاعلية وتأثيراً. كما تجب الإشارة إلى أن استخدام الضرب كعقاب حتى في حالات محددة ومقيدة، كما أشرنا، ينبغي أن يختفي تدريجاً كلما اقترب الولد من سن البلوغ، بحيث يختفي تماماً مع وصوله إلى هذه السن، وهذه قاعدة عامة ينبغي اعتمادها إلا فيما ندر من استثناءات تتم دراستها وفقاً لكل حالة على حدة.
والخطورة الأخرى في شيوع استخدام الضرب، خصوصاً مع بدايات مرحلة البلوغ، إنه يجعلنا ننـزلق إلى مواجهة وتحدٍ بيننا وبين هذا الشاب أو تلك الفتاة، لن تكون نتائجها في مصلحتنا أو في مصلحة الهدف التربوي الذي ننشده، لأن مثل هذه المواجهة تجعلنا نخسر المكانة المطلوبة من الاحترام لدى هذا الشاب أو تلك الفتاة، كما تحوّلنا تلك المواجهة إلى شخصين متساويين من حيث الغضب والانفعال… وهذا كله يتنافى مع ما يفرضه سلوك المربي من حكمة واتزان واستيعاب لتصرفات الآخر الأصغر سناً…
إن أهم أهداف التربية هو بناء الشخصية الإنسانية. وبناءً على ذلك يجب أن تكون كل الأساليب التي نستخدمها في الثواب أو العقاب في خدمة هذا البناء، وإذا أدى أي منها إلى إيذاء الشخصية أو إلى تحطيمها فهذا يعني ان التربية فقدت أهدافها.
ولهذا السبب تصبو كل التقنيات التربوية، ووسائل الإيضاح وسواها من أنشطة إلى توفير الفرص لتفتح قدرات الطفل العقلية والجسدية.. وهذا يعني في نهاية الأمر خضوع الثواب والعقاب لما سميناه مفاهيمنا عن الإنسان وعن حقوقه وعن وظيفته في هذه الحياة… ولا يمكن أن يُمارس هذان الأمران بعيداً عن تلك الأهداف والمفاهيم. وهذا يحتاج بلا شك إلى إدراك واسع وإلى خطة واضحة وإلى الصبر والتحمل…
تحديد السلطة في المؤسسة
س 1: قد لا يقبل الناظر أن يكون فزاعة بينما يكون الأستاذ ملاك رحمة على سبيل المثال، فلماذ لا نعمل على تأسيس جو من الاحترام عبر تعاون مشترك بين الإدارة من جهة والمعلمين من جهة ثانية، ويكون الاحترام متبادل بين الطرفين؟
ج : هذا الأمر هو جزء من خلاف حول ضرورة وجود شخص يمثل السلطة كالناظر في المؤسسة التعليمية، وباعتقادي إن هذا الأمر ليس سيئاً من حيث المبدأ، ولا يناقض الأهداف التربوية، إلا أن بعض المدارس يعمد استناداً إلى فلسفة أخرى في العمل التربوي، فيلجأ إلى ما يعرف بالمرشد التربوي الذي يستقبل الطلاب ويناقشهم في مشاكلهم دون أن تكون له أي سلطة عليهم.
بينما يستطيع الناظر فيما نرى، أن يقوم بمهمة المرشد عبر تفهم مشكلات الطلاب وحاجاتهم مع استخدامه للسلطة وللردع إذا دعت الحاجة إلى ذلك. ونحن ننطلق في هذه النظرة من إدراكنا لحاجة الإنسان الدائمة،خصوصاً في سنوات فتوته (أي مراحل التعليم المختلفة) إلى وجود سلطة مادية أو معنوية تحدد له ما لا يستطيع تجاوزه على مستويات عدة.
أما كيف تعمل تلك السلطة، وهل تلجأ إلى العقاب أو إلىالضرب فموضوع آخر ينطبق عليه ما سبق وأشرنا إليه، مع التأكيد مجدداً على أهمية بناء علاقة من الثقة المتبادلة تحت سقف هذه المرجعية السلطوية التي يمثلها الناظر أوأي شخص آخر قد يكون بديلاً له. لأن شعور الإنسان بغياب السلطة في أي مؤسسة كانت ـ سوف يحول العلاقات في داخلها إلى حالة من الفوضى، وعدم الإنتاجية مهما كانت درجة الوعي عند أفراد تلك المؤسسة.
العقاب وفعالية استخدامه
س 2: في موضوع العقاب هل حرمان الولد من شيء يحبه أفضل أم إلزامه بقصاصٍ ما ؟
ج : أعتقد أن القاعدة العامة الأفضل هي الحرمان من نشاط معين يحبه الولد، كحصة الرياضة أو حصة الرسم أو الفنون أو أي نشاطات أخرى. أما موضوع قصاص يكتبه الطالب في البيت فأنا لا أشجعه إلا إذا كان فيه بعض الفائدة العلمية للطالب، وقلة الفائدة المتوقعة من قصاص مماثل أن الطالب قد يلجأ إلى مساعدة الآخرين لكتابته كما أن هذا النوع من القصاص قد يعيق فعلاً الوقت المخصص لحفظ وحلّ الفرائض عند الطالب وهو وقت كما نعلم، لا يكاد يكفي حتى من دون قصاص أو عقوبات إضافية.
س 3: كيف يمكن أن نتدرج في أساليب العقاب؟ من أين نبدأ وأين ننتهي؟
ج : نستطيع أن نستنتج من خلال ما عرضنا القاعدة المناسبة لهذا التدرج التي قد تبدأ بنظرة غاضبة مروراً بالتوبيخ وصولاً إلى العقاب المباشر. أما ما طُرح حول فائدة استخدام الطرد، فأعتقد أن هذا الأسلوب قد يكون مجدياً في بعض الحالات التي يصعب علاجها. وهو أقصى ما يمكن الوصول إليه في عقاب الطالب، ولا يمكن اللجوء إلى هذا الأسلوب إلا بعد إشراك الأهل بشكل جدي في الوضع الذي يعيشه إبنهم في المدرسة على المستوى الدراسي أو على المستوى السلوكي.
ومن الأفضل أن يقتصر هذا العقاب على الحالات السلوكية الشاذة وليس على حالات التأخر الدراسي، لأن وجود مثل هذه الحالات يهدد، إذا لم تفلح معالجتها، بانتقالها إلى الطلاب الآخرين، وهذا هو المقصود باستخدام هذا العلاج، ومن المعلوم طبعاً أن مثل هذا الإجراء يثير اعتراض البعض لأنه سوف يعرّض الطالب إلى المزيد من الانحراف خارج المدرسة، ولكن الحاجة إلى إجراء من هذا النوع تهدف إلى المحافظة على الطلاب الآخرين عندما تفشل كل محاولات الإصلاح وهو أمر جدير بالاهتمام أيضاً.
س 4: تلميذ متفوق دراسياً ولكنه يثير المشاكل السلوكية، في البيت لجأوا إلى ضربه، وفي المدرسة استعملنا كل وسائل الترهيب والترغيب وتمّ تهديده بالضرب، فما هو الحل؟
ج : مثل هذه الحالة هي نتيجة لما يحصل خارج المدرسة، وفي حالات كثيرة لا تستطيع المدرسة لوحدها أن تعالج المشاكل الدراسية أو السلوكية، بل يجب أن يحصل تعاون حقيقي مع البيت، وقد يحتاج الأمر إلى فترة طويلة من المتابعة ومن التدرج في اتّباع أساليب جديدة هدفها إعادة ترشيد سلوك الطفل، وإذا لم يحصل مثل هذا التعاون ومثل هذا التدرج فإن المشكلة ستبقى بلا حل، ولا يمكن أن نحل هذا النوع من المشاكل من طرف واحد هو المدرسة.
تجربة المدرسة الإسلامية بحاجة لمراجعة
س 5: نحن في الشرق نأخذ الدراسات عن الغرب في علم النفس أو علم الاجتماع مع اختلاف واقعنا الاجتماعي أو التربوي، لماذا لا يكون لدينا دراسات خاصة بنا على الصعيد الإسلامي؟
ج : هذا الاتجاه لدراسات خاصة بنا ينبغي التأكيد عليه بإصرار شديد، وهناك محاولات على هذا الصعيد تجري في أكثر من بلد من البلدان العربية والإسلامية، وخصوصاً في ميادين العلوم الإنسانية بشكل خاص، ولا تزال مثل هذه الأسئلة حول ماذا نأخذ من الغرب وكيف يتلاءم ما نأخذه مع خصوصيات مجتمعاتنا مطروحة حتى في بلدان إيران والسودان وغيرها من الدول التي تعتبر أنها تبني تجربة إسلامية في هذا العصر.
من هنا أنا أدعو، كما فعلت ذلك مراراً، إلى دراسة تجربة المدرسة الإسلامية في لبنان، هذه المدرسة التي تأسست قبل حوالي خمس عشر عاماً ماذا تريد اليوم؟ وماذا تعني المناهج الإسلامية في مثل هذه المدرسة؟ لقد حقق هذا التعليم إنجازات ولكنه لا يزال، واقعاً، يحوي بعض الثغرات. وعلينا أن نعقد حلقات النقاش والتفكير لدراسة كيفية تطوير هذه الإنجازات والمحافظة عليها، والتخلص من الثغرات التي تعيق التقدم وتثقله. وإذا كانت هذه المدرسة وضعت لنفسها أهدافاً معينة عند تأسيسها فهل لا تزال الأهداف على ما كانت عليه؟ وماذا تحقق منها؟ كأن نسأل على سبيل المثال ما هي أولويات المدرسة الإسلامية بالنسبة إلى طلابها؟
هل تريدهم من المتفوقين علمياً أم من المتدينين والملتزمين أولاً؟ وهل تريد منهم منافسة طلاب المدارس الأخرى، الإرسالية خصوصاً؟ أم تريد تعزيز انتماءهم السياسي والحزبي أولاً؟ وإذا كان من الصعب على المدرسة الإسلامية أن تجعل ذلك كله على قدم المساواة في أهدافها، فأين تكون الأولويات؟ وإذا عجزت عن تحقيق جزء من هذه الأهداف فما هي العقبات التي حالت دون ذلك؟ هل هي إدارية، أم تعليمية، أم تخطيطية، أم أنها خارجة عن الإرادة وعن كل ذلك؟.. ينبغي أن نقوم بدراسة دقيقة وموضوعية وشاملة لهذا الأمر، وإذا لم نطرح مثل هذه الأسئلة ولم نعمل لتقديم الإجابات من خلال الندوات الخاصة التي يشارك فيها المربون والإداريون والتربويون وأصحاب الاختصاص، فلا يمكن أن نطور تجربة هذه المدرسة، ولا يمكن أن نتقدم باتجاه الأهداف المرسومة لها.
أما بشأن الأفكار التي طرحناها حول ضرورة وجود مرجعية للسلطة في المدرسة، فلا أظن أن هذا الأمر يتوافق مع الاتجاهات التربوية الغربية بهذا الشأن، لأن هذه الأخيرة تقدم حرية الطفل على سلطة المدرسة، بينما أنا أرى أن العكس يجب أن يحصل. ولهذه الرؤية خلفية إسلامية، إذا صح التعبير، تستند على حاجة الإنسان الفطرية إلى السلطة التي تنظم وتردع وترشد. كما أن التجربة الغربية على مستوى التربية والتعلم تعيش مأزقاً حقيقياً على مستوى العلاقة بين حرية الطفل المطلوبة وبين ضرورة وجود السلطة المفقودة، لأن هذا المأزق أنتج خلال سنوات طويلة أجيالاً لا تفعل سوى اللجوء إلى رغباتها المختلفة في ظل نظام عام يشجع على مثل ذلك.
س 6: الثواب والعقاب من أهم الوسائل التربوية، وقد استخدمتها المدارس منذ القدم، والملاحظ أننا نمارس العقاب أكثر من الثواب، وما من تساوٍ بين الأمرين، ما رأيكم؟
ج : إن طبيعة المدرسة كمؤسسة تقوم على الضبط وعلى السيطرة مهما استخدمت فيها من وسائل للإيضاح أو للتربية، ومن الملاحظ أن قلة قليلة من الطلاب (هم المتفوقون عادة) ممن يحصلوا على الثواب بينما تتعرض الأكثرية إلى العقاب، إما لتطوير نتاجهم التعليمي، أو لتعديل سلوكهم، وهذا يعني أن فلسفة المدرسة تقوم في حقيقة الأمر على العقاب دون أن يتعارض ذلك من حيث المبدأ مع الأهداف التي تطرحها على نفسها في إعداد الأجيال وبناء المجتمع..
(منقول عن مقالة للدكتور طلال العتريسي)
بالتوفيق