الحمد لله الذي أنشأ الأب الأكبر من تراب ، وأخرج ذريته من الترائب والأصلاب ، وعضّد العشائرَ بالقرابة والأنساب ، وأنعم علينا بالعلم وعرفان الصواب ، أحسنَ التربيةَ في الصغر وحفِظ في ط§ظ„ط´ط¨ط§ط¨ ، ورزقنا ذريةً نرجو بهم وفورَ الثواب .
( رب اجعلني مقيمَ الصلوة ومن ذريتي ربَنا وتقبل ط¯ط¹ط§ط، . ربنا اغفر لي ولوالديّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ) [سورة ابراهيم / 40 ـ 41]
أما بعد فإني لما عرفتُ شرفَ النكاح وفضلَ الأولاد ، ختمتُ ختمةً وسألتُ ط§ظ„ظ„ظ‡ عز وجل أن يرزقني عشرة أولاد ، فرزقني إياهم فكانوا خمسةً ذكورًا وخمسةً إناثـًا ، فمات من الإناث اثنتان ومن الذكور أربعة ، ولم يبق لي من الذكور سوى ولدي أبي القاسم ، فسألتُ اللهَ تعالى أن يجعل فيه الخلف الصالح وأن يبلـّغني فيه المنى والمناجح .
ثم رأيتُ منه نوعَ توانٍ عن الجِد في طلب العلم ، فكتبتُ إليه هذه الرسالة أحثه بها على طلب العلم وأحركه على سلوك طريقي في كسب العلم ، وأدله على الالتجاء إلى الموفق سبحانه ، مع علمي بأنه لا خاذل لمن وفّق ولا مرشدَ لمن أضلّ ، لكنْ قد قال تعالى : ( وتواصَوا بالحق وتواصوا بالصبر ) [سورة العصر / 3] ، وقال تعالى : ( فذكِّرْ إن نفعتِ الذكرى ) [سورة الأعلى / 9]
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
فصل في فضل العقل ومسؤولية التكليف والحث على طلب الفضائل
اعلم يا بني وفقك ط§ظ„ظ„ظ‡ أنه لم يميَّزِ الآدميُ بالعقلِ إلا ليعمل بمقتضاه ، فاستحضر عقلك وأعمِلْ فِكرَك ، واخلُ بنفسك ، تعلمْ بالدليل أنك مخلوق مكلف وأن عليك فرائض أنت مطالب بها ، وأن الملكين عليهما ط§ظ„ط³ظ„ط§ظ… يحصيان ألفاظك ونظراتك ، وأن أنفاسَ الحي خطوات إلى أجله ، ومقدارَ اللبث في الدنيا قليل ، والحبسَ في القبور طويل ، والعذابَ على موافقة الهوى وبيل ، فأين لذة أمس ؟ قد رحلَتْ وأبقَت ندمـًا ، وأين شهوة النفس ؟ نكّسَت رأسًا وأزلّت قدمـًا .
وما سعِد مَن سعِد إلا بمخالفة هواه ، ولا شقِي مَن شقي إلا بإيثار دنياه ، فاعتبر بمن مضى من الملوك والزهاد ، أين لذةُ هؤلاء وأين تعبُ أولئك ؟ بقي الثواب الجزيل والذكرُ الجميلُ للصالحين ، والمقالةُ القبيحة والعقاب الوبيل للعاصين ، وكأنه ما شبع مَن شبِع ، ولا جاع مَن جاع .
والكسلُ عن الفضائل بئس الرفيق ، وحبُ الراحة يورث مِن الندم ما يربو على كل لذة ، فانتبه وأتعِبْ نفسَك ، واعلم أن أداء الفرائض واجتنابَ المحارم لازم ، فمتى تعدّى الإنسانُ فالنار النار .
ثم اعلم أن طلبَ الفضائل نهايةُ مرادِ المجتهدين ، ثم الفضائلُ تتفاوت ، فمن الناس مَن يرى الفضائلَ الزهدَ في الدنيا ، ومنهم مَن يراها التشاغلَ بالتعبد ، وعلى الحقيقة فليست الفضائلُ الكاملةُ إلا الجمعُ بين العلم والعمل ، فإذا حُصِّلا رفعا صاحبهما إلى تحقيق معرفة ط§ظ„ط®ط§ظ„ظ‚ سبحانه وتعالى ، وحرّكاه إلى محبته وخشيته والشوق إليه ، فتلك الغاية القصوى ، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم ، وليس كلُ مريدٍ مرادًا ، ولا كلُ طالبٍ واجدًا ، ولكن على العبد الاجتهاد ، وكلٌ ميسَّرٌ لما خـُلق له ، والله المستعان .
ومن تفكر في الدنيا قبل أن يوجَد ، رأى مدة طويلة ، فإذا تفكر ظپظٹظ‡ط§ بعد أن يخرج رأى مدة قصيرة ، وعلِم أن اللُبثَ في القبور طويل ، فإذا تفكر في يوم القيامة ، علم أنه خمسون ألف سنة ، فإذا تفكر في اللبث في الجنة أو النار علم أنه لا نهاية له ، فإذا عاد إلى النظر في مقدار بقائه في الدنيا ـ فرضنا ستين سنة مثلاً ـ فإنه يَمضي منها ثلاثون في النوم ، ونحوٌ من خمس عشر في الصِبا ، فإذا حسبتَ الباقي ، كان أكثرُه في الشهوات والمطاعم والمكاسب ، فإذا خلص ما للآخرة وجد فيه من الرياء والغفلة كثيرًا ، فبماذا تشتري ط§ظ„طظٹط§ط© الأبدية ، وإنما الثمن هذه الساعات ؟!
فصل في العزلة والعلم
وعليك بالعزلة فهي أصل كل خير ، واحذر من جليس السوء ، وليكن جلساؤك الكتب ، والنظرَ في سِيَر السلف ، ولا تشتغل بعلمٍ حتى تـُحكِم ما قبله ، وتلمّح سِيَرَ الكاملين في العلم والعمل ، ولا تقنع بالدون ، فقد قال الشاعر في ذلك :
ولم أرَ في عيوب الناس شيئـًا *** كنقص القادرين على التمامِ
واعلم أن العلم يرفع الأراذل ، فقد كان خلقٌ كثير من العلماء لا نسب لهم يُذكر ، ولا صورةً تُستَحسَن ، وكان عطاءُ بن أبي رباح أسودَ اللون ومستوحَشَ الخِلقة ، وجاء إليه سليمان بن عبد الملك وهو خليفة ومعه ولداه ، فجعلوا يسألونه عن المناسك ، فحدّثهم وهو معرضٌ عنهم بوجهه ، فقال سليمان الخليفة لولديه : " قوما ولا تَنـَيا ولا تكاسلا في طلب العلم ، فما أنسى ذلنا بين يدَي هذا العبد الأسود " .
وكان الحسن [البصري] مولى ـ أي مملوكاً ـ وابن سيرين ومكحولٌ وخلق كثير ، وإنما شرفوا بالعلم والتقوى .
فصل في المداراة والحلم
وكن حسَنَ المداراة للخلق ، معَ شدة الاعتزال عنهم ، فإن العزلة راحة من خُلَطاء السوء ، ومُبقِيَةٌ للوقار ، فإن الواعظ خاصةً ينبغي أن لا يُرى مُتَبَذَِلاً ، ولا ماشيًا في سوقٍ ولا ضاحكًا ، ليَحسُنَ الظنُ به ، فيُنتَفَعُ بوعظه .
فإذا اضطررتَ إلى مخالطة الناس فخالطهم بالحِلمِ عنهم ، فإنك إن كشفتَ عن أخلاقهم لم تقدر على مداراتهم .
فصل في الحفاظ على الحقوق ومراعاة عواقب الأمور
وأدِّ إلى كل ذي حق حقه ، من ط²ظˆط¬ط© أو ولد أو قرابة ، وانظر كل ساعة من ساعاتك بماذا تذهب ، فلا تـُودِعْها إلا أشرفَ ما يمكن ، ولا تهمل نفسك وعوِّدها أشرفَ ما يكون من العمل وأحسنه ، وابعث إلى صندوق القبر ما يسرك يوم الوصول إليه ، كما قيل :
يا من بدنياه اشتغل ـ ـ ـ وغرّه طول الأمل
الموت يأتي بغتةً ـ ـ ـ والقبر صندوق العمل
وراعِ عواقبَ الأمور يهُنْ عليك الصبرُ عن كل ما تشتهي وما تكره ، وإن وجدتَ من نفسك غفلة فاحملها إلى المقابر وذكِّرها قربَ الرحيل ، ودبِّر أمرك ـ واللهُ المدبرُ ـ في إنفاقك من غير تبذير ، لئلا تحتاج إلى الناس ، فإن حِفظَ المال من الدين ، ولإن تـُخَلِّفَ لورثتك خير من أن تحتاج إلى الناس
وقد أسلمتك إلى ط§ظ„ظ„ظ‡ سبحانه ، وإياه أسأل أن يوفقك للعلم والعمل ، وهذا قدر اجتهادي في وصيتي ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
والحمد لله رب العالمين وصلى ط§ظ„ظ„ظ‡ على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم
gtjm hg;f] Ygn kwdpm hg,g]>> Hojd ld.hk ltjj hggi hgl,q,u hgohgr hgpdhm hgvplhk hgsghl hgafhf hg,g] center fhv; fhv; hggi td; fsl pskhj; ]uhx vshgm skm .,[m size ugn ugd;l tdih td; ,sgl ,wpdm ;lh