صدر عن صدى التضامن الجامعي ظƒطھط§ط¨ تحت عنوان "ط§ظ„طھظˆط¬ظٹظ‡ ط§ظ„طھط±ط¨ظˆظٹ: ط§ظ„ط£ط³ط³ ط§ظ„ظ†ط¸ط±ظٹط© ظˆط§ظ„ظ…ظ†ظ‡ط¬ظٹط©" لمؤلفه السيد المختار شعالي، مفتش في التوجيه التربوي ، في طبعة شتنبر 2024. ويقع هذا الكتاب في 140 صفحة، وهو من الحجم المتوسط، ضم في طياته ثلاثة أبواب وستة فصول، بالإضافة إلى مدخل أدرج في مقدمة الكتاب ولائحة للمراجع وفهرس في نهايته.
وقبل الدخول في عرض مضامين هذا الكتاب على القراء، لا بد من التذكير بأنني لن أقدم ظ‚ط±ط§ط،ط© سواء كانت تحليلية لمضامينه أو استطلاعية لبعض جوانبه الأساسية، وإنما سأحاول قدر المستطاع التقاط بعض العناصر والأفكار التي بدت لي مهمة في الكتاب، بتركيز شديد، انطلاقا من الممارسة في المجال عبر مجموعة من المستويات وفي مواقع متعددة. وفي نفس الوقت سأحاول إثارة الأسئلة على هامش هذه القراءة إيمانا مني بأن كل عمل علمي، ولاسيما في حقل العلوم الاجتماعية والإنسانية، يظل على الدوام موسوما بالنسبية والمحدودية، ومنفتحا بالتالي على إمكانات التجاوز والتخطي، ولا يعني في الحقيقة إلا بداية طرح الأسئلة، حيث تظل هذه الأسئلة في كثير من الأحيان أهم من الأجوبة الجاهزة. وبما أن كل عمل في المجال التربوي يفترض أيضا أن يسهم في تطوير الممارسة الميدانية ويوجه الفكر بشكل متبصر ومنسجم مع التحولات والتغيرات التي يشهدها العالم على مختلف الأصعدة والمستويات، فإن طبيعة هذه القراءة تستمد مشروعيتها من التنقيب في الجوانب المنهجية والإشكالات المؤطرة للكتاب ، بحثا عن المعنى والدلالة والوظيفية والإجرائية لهذا العمل. وبالتالي، فإن القراءة التي سأتقدم بها هي نوعا ما متمردة على القراءات المعهودة، وآمل أن لا تكون آثمة في حق إطار تربوي أقدر وأثمن إنتاجاته ومجهوداته الفكرية.
ينطلق المؤلف في إصداره هذا، من فكرة مفادها أن مساحة اشتغال التوجيه التربوي تندرج في إطار معادلة، لعل من أبرز متغيراتها الفرد من جهة والمحيط الدراسي والتكويني والسوسيومهني من جهة ثانية. وهو بذلك يستحضر الإشكالية المركزية التي تموقع التوجيه في إطار تتلاقى ضمنه ديناميتان: دينامية تطور الفرد ودينامية تطور العالم التكويني والسوسيو مهني. حيث يتطلب الأمر من جهة، ضرورة التوفر على آلية لمواكبة النمو والنضج والتحول الحاصل لدى الفرد من خلال توظيف المقاربات والنماذج السيكوبيداغوجية والأدوات العلمية والمعرفية والبسيكوتقنية الملائمة، ومن جهة أخرى القدرة على رصد ومواكبة التحولات والتغيرات التي تطرأ على المحيط السوسيومهني في أفق استخلاص السيناريوهات والاحتمالات الممكنة قصد التعامل مع مستقبل أصبح مطبوعا بالغموض والشك واللايقين، وكل هذا بالطبع من أجل إقدار الفرد على مواجهة التحديات والأزمات السوسيو اقتصادية والمهنية، وتمكينه من مجابهة وتدبير المنعطفات والمحطات الحاسمة في مساره الدراسي والمهني والحياتي آنيا ومستقبلا.
وهكذا، فإن هذا الإصدار في معالجته للإشكالية المشار إليها آنفا، تناول بالدراسة والتحليل مختلف النظريات التي تحاول تفسير الاختيار الدراسي والمهني/ اتخاذ القرار في التوجيه من منظور سيكولوجي صرف. وقد صنف المؤلف هذه النظريات إلى ثلاثة تيارات أساسية: النظريات البنيوية ذات البعد السكوني التي ترتكز أساسا على السيكولوجية الفارقية والتحليل النفسي، والنظريات الإنمائية ذات البعد الدينامي التي تعتمد السيكولوجية الإنمائية، ثم النظريات البنائية ذات البعد التفاعلي التي ترتكز أساسا على السيكولوجية المعرفية والبنائية. وقد تطرق الكتاب أيضا إلى بعض المقاربات التربوية المؤطرة لحقل التوجيه التي ترتبت عن هذه التيارات ط§ظ„ظ†ط¸ط±ظٹط© سالفة الذكر، وأهمها التربية على الاختيار في التوجيه والمقاربة الموجهة. كما تطرق أيضا إلى بعض البرامج التربوية التي اعتمدت في سياقات دولية وخاصة في سياق كندا والولايات المتحدة بغية الإتيان بأمثلة تطبيقية وعملية حاولت أجرأة هذا المنظور التربوي في التوجيه وفق رؤية الكاتب. و في آخر الكتاب، تم إدراج مجموعة من المراجع المساعدة على الإحاطة بالمضامين والأفكار المتداولة في الكتاب، حيث تم ترتيبها حسب أهمية اعتمادها في بناء أبواب وفصول هذا الإصدار.
و يأتي إصدر هذ الكتاب في سياق وطني يروم إعادة هندسة منظومة الإعلام والمساعدة على التوجيه وفق مرجعية الـميثاق الوطني للتربية والتكوين، وعلى قاعدة تدابير وإجراءات البرنامج الاستعجالي الممتد على الفترة 2024 – 2024، وذلك في أفق جعل الـمتعلـم في قلب الانشغال والاهتمام، واستحضار كل الإمكانات المادية والمعنوية لصالح تفتح ملكاته، ومواكبته في إنضاج وترشيد اختياراته، ومساعدته على بناء مشاريعه الشخصية بأبعادها المدرسية والمهنية والحياتية، بتنسيق مع كل الفاعلين التربويين والاجتماعيين وفق مسعى تشاركي يحترم هويتهم ويتيح لهم فرص العمل الجماعي حول التلميذ ومن أجله. ومن هذا المنطلق، فإن هذا الإصدار سيشكل إضافة نوعية في إشاعة أدبيات التوجيه في ثقافتنا وفي أدبياتنا التربوية ، كما يندرج في إطار دعم التوجه الجديد لوزارة التربية الوطنية الرامي إلى تعزيز مجال الإعلام والتوجيه وجعله أكثر فعالية ودينامية. وقد تم التعبير عن ذلك صراحة عبر المذكرات الناظمة لمجال التوجيه التربوي، عبر الدعوة إلى خلق تلك التعبئة الضرورية حول التوجيه واعتباره شأنا عاما يتقاسم مسؤوليته كل من هيئة التوجيه وأطر التدريس والإدارة التربوية وهيئة التفتيش بمختلف تخصصاتها والآباء والفاعلين الاقتصاديين. وبكل تأكيد، سيوفر هذا الإصدار مادة غنية ومتنوعة جامعة لأدبيات التوجيه التربوي المتداولة في التكوين الأساس بسلك المستشارين، بمركز التوجيه والتخطيط التربوي ، بأسلوب سلس وفق ترجمة سياقية محكمة، مما سيسهم في دعم التكوين الأساس والمستمر لفائدة مستشاري التوجيه، ونشر جزء من ثقافة التوجيه على مختلف الفاعلين التربويين والاجتماعيين، في أفق الإسهام في بناء ذاكرة التوجيه التربوية أملا في خلق ذلك التراكم المفضي للتغيير في المجال. كل هذه الحيثيات ساعدت في أن يأتي هذا الإصدار حافلا بالأفكار والمعلومات والنظريات والمقاربات، التي يفترض أن تشكل للقارئ المهتم موضوع متعة وفائدة.
غير أن أخلاقيات البحث العلمي والممارسة الميدانية المتبصرة والواعية، تقتضي أن يظل هذا العمل منفتحا على النقاش والنقد والتداول، وما يتطلبه كل ذلك من حيطة وحذر منهجيين في التعامل مع الأفكار والمواقف والأحكام الصادرة في مادة هذا الإصدار. وبناء عليه، وبالرغم من التصريح بالإشكالية المؤطرة لهذا الإصدار، إلا أنه ما قدم من أفكار وتصورات نظرية ونماذج تطبيقية، لا تغطي أبدا كل جوانب هذه الإشكالية بالشكل المطلوب. حيث لوحظ نزوع نحو المنظورات الفردانية الماتحة من حقل السيكولوجيا على حساب المنظورات الاجتماعية المؤسسة على السوسويولوجيا، وفي اعتقادنا هذا يمس بإحكام ضبط توازن المعادلة فرد / محيط سوسيومهني، مما يمكن أن ينعكس على توازن وتضامن واستمرارية المجتمع. فالتركيز على مؤهلات وحاجيات وانتظارات الفرد يعطيك جيلا من المتنافسين الأنانيين الذي لا يمكن أن يكون مجتمعا متماسكا، أما الانصياع لإكرا هات وضغوطات المحيط السيوسيومهني قد يصادر منك حقك في حرية الاختيار. وبالتالي، السؤال الجوهري الذي يجب أن يؤطر بناء المادة البحثية في هذا المستوى، هو ما السبيل للاستجابة لحاجيات الأفراد وانتظارات المجتمع في آن واحد، في ظل واقع أصبح فيه التغيير قاعدة والاستقرار استثناء، وضمن إطار يضمن تكافؤ الفرص، ويعتمد معايير الجدارة والكفاءة والاستحقاق ؟.
وأثناء جرد وتقديم مختلف النظريات والمقاربات التربوية، غاب عن ذلك مجهود المساءلة والعمل على تكييفها وتبيئتها في سياقنا التربوي المغربي، قصد تقديم نماذج عملية قابلة للحياة والمأسسة في واقع الممارسة الميدانية. ومن هنا، كان لابد من الالتفات لما ورد حول مجال التوجيه ضمن الوثائق التربوية المرجعية والمشاريع الإصلاحية المطروحة خلال هذه السنوات الأخيرة، حيث يمكن أن يشكل ذلك ترسانة نظرية حقيقية مؤطرة لحقل التوجيه في منظومتنا التربوية. فمثلا عندما نرجع لمقاربة التربية على المهن، التي أدخلتنا في صلب "المدرسة التمهينية" ، فيمكن تأثيث مكوناتها وآلياتها من الكتاب الأبيض الذي نظر لهندسة المنهاج الدراسي بمداخل ثلاثة ( الكفايات، القيم، التربية على الاختيار)، أما مقاربة التربية على التوجيه، التي أحالتنا على "المدرسة المواطنة"، والمقاربة الموجهة، التي أدخلتنا في قلب "المدرسة الموجهة"، فيمكن هندسة أشكالها وبناء مضامينها انطلاقا من الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي دعا للتأسيس لمدرسة وطنية جديدة بآليات حديثة وبأفق اشتغال أوسع وأرحب، وكذا ما ورد في البرنامج الاستعجالي حول المشروع الخاص بمدرسة النجاح ومشروع التتبع الفردي ومشروع تشجيع تدريس العلوم ومشروع الإعلام والمساعدة على التوجيه الذي أعاد النظر في منظومة التوجيه أهدافا ومقاربات ووظائف وآليات … وبعيدا عن عمليات الاحتواء والتجاوز التي طرحت بشأن هذه المقاربات الآنفة، فإن التداخل والتقاطع يظل أمرا قائما بينها، والتطوير والإغناء يبقى ملازما لها في السياقات التي أفرزتها، ولحدود اليوم لم يستقر تنزيل صيغ هذه المقاربات، ولازالت تعرف صعوبات وإكراهات في الإرساء وتطورا ونماء في المفاهيم والآليات والاستراتيجيات.
لقد تناول المؤلف أنماطا ونماذج نظرية ومقاربات في حقل التوجيه، وكأن جهازها المفاهيمي يتمتع بصلاحية علمية وموثوقية مطلقة، مثل: التربية على الاختيار، التربية على المهن، التربية على التوجيه،المقاربة التربوية للتوجيه، المقاربة الموجهة … ، حيث لم يتم التداول والتناول كفاية في مختلف نقط التقاطع والفصل بين هذه النماذج، وكذا نقد هذه المنظومات المفاهيمية سواء في سياقها المرجعي الأصلي، أو على مستوى السياق الجديد الذي يراد نقلها إليه، ولا شك بأن هذا النقل يشكل عائقا ابستمولوجيا أمام تبلور وعي نقدي بشروط إنتاج المفاهيم وسياقات أجرأتها واستدماجها، مما يطرح صعوبات عملية ومنهجية في تجسيد هذا المفاهيم بداخل المنظومة التربوية المغربية، في غياب الحسم السياسي في الاختيارت التوجيهية لمنظومة التربية والتكوين، و في ظل ممارسات ميدانية تعوزها الشروط اللازمة والظروف الملائمة والوسائل المناسبة.
إن الحرص على بناء براديكمات نظرية متوازنة مستوعبة للتوجيه في سياقه السوسيوتربوي والاقتصادي والثقافي والسياسي … يتطلب مزيدا من تعميق النفس السوسيولوجي للمعالجة ط§ظ„ظ†ط¸ط±ظٹط© لمختلف أدبيات التوجيه، مما يقتضي اعتماد منظور الأنساق الإيكولوجية الذي يجمع بين نظرية الأنساق الاجتماعية والأنساق العامة ونظريات الإيكولوجيا الإنسانية، وذلك لما يوفره هذا المنظور من قدرة على اكتشاف وأجرأة التفاعلات بين الفرد والمحيط الاجتماعي العام، وفق منظور تكاملي، إنساني، أخلاقي وإيكولوجي، مستدمج للطابع التفاعلي الدينامي المتبادل بين الأشخاص والبيئات الدراسية والتكوينية والمهنية التي يعيشون فيها. بالإضافة لهذا، فإن تطبيقات البرمجة اللغوية العصبية التي تعمل على تطوير الذات وهندسة النجاح وبناء العلاقات الاجتماعية المتوازنة والاستمتاع بالحياة، يمكن أن تفتح، بنماذجها العملية واستراتيجياتها النسقية، آفاقا واعدة أمام مهني التوجيه، وكل من تندرج خدماته في سياق إنساني يتجه نحو خدمة الأفراد داخل التنظيمات والمؤسسات والأنساق الاجتماعية المختلفة.
في ختام هذه القراءة، آمل أن يشكل هذا الإصدار قيمة مضافة للمكتبة التربوية المغربية، وأن أكون قد ساهمت، في حدود معينة، في عرض بعض عناصر أطروحته المركزية بما يسهم في فتح شهية القراءة لدى مختلف الشرائح والفاعلين التربويين والاجتماعيين.
الرباط، 5 نونبر 2024
منقول الامانة
rvhxm td ;jhf "hgj,[di hgjvf,d: hgHss hgk/vdm ,hglki[dm"