تزويد ط§ظ„ظˆط§ظ„ط¯ظٹظ† ط§ظ„ط±طظٹظ…ظٹظ† ط¨ط·ط±ظ‚ طھظ‚ظ„ظٹظ„ ط£ط¶ط±ط§ط± ط§ظ„ظپط¶ط§ط¦ظٹط§طھ ظˆط§ظ„ط¥ظ†طھط±ظ†ظٹطھ على ط§ظ„ط¨ظ†ط§طھ والبنين
للشيخ: عبد القادر الجنيد حفظه الله
الحمد لله الذي وهب لعباده من أصناف نعمه خيراً كثيراً، وأقر أعينهم بنعمة البنين والبنات لينالوا بهم أجراً كبيراً، وبراً عزيزاً، وأنساً وسروراً، وبعد الموت صدقة ودعاء وذكراً مستمراً، أحمده أبلغ الحمد وأشمله، وأزكاه وأتمه وأكمله، وأشهد أن لا إله إلا الله إقراراً بربوبيته، وإعلاناً بوحدانيته وإلاهيته، وأشهد أن محمداً عبده المرتضى، ورسوله المصطفى، وخليله المجتبى، أفضل الخلق لديه، وأكرمهم عليه، أكمل العالَمين وأتقاهم، وأعرفهم بالله تعالى وأخشاهم، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى سائر النبيين، وآل كل، وصحابتهم وسائر الصالحين.
أما بعد، أيها الآباء ويا أيتها الأمهات ـ زادكم الله هدى وبسط عليكم نعمه ـ:
اتقوا الله تعالى الذي خلقكم ورزقكم وربَّاكم، والذي أطعمكم وسقاكم وكفاكم وآواكم، والذي أنقذكم من الكفر والنار، وهداكم إلى الإيمان والجنة، واشكروه على ما خصكم به من النعم والآلاء، واعلموا أنكم لا تقدرون على العدِّ لها والإحصاء، فاشكروه عليها شكراً كثيراً، واحمدوه عليها حمداً بليغاً، وقوموا بما أوجب عليكم من حقوقها، واحفظوها وارعوها، واحذروا أن تضيعوها، وأن تكونوا لها من المفسدين.
وإن من أجل هذه النعم وأسعدها، وأجمل هذه المنن وأزكاها، وأرفع هذه الهبات وأحلاها، وأكرم هذه العطايا وأجلاها، نعمة الذرية، نعمة الولد، نعمة البنين والبنات.
فبهم يحصل الأنس والسرور، وتزيد البهجة والسعادة، وتَزين الدنيا وتحسُن، ويبقى النسل والذكر، ويستمر الدعاء والثناء، ويتكاثر الأجر والثواب.
فينتفع الآباء بحسن التربية والقيام عليهم، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ، وَأَطْعَمَهُنَّ، وَسَقَاهُنَّ، وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ كُنَّ لَهُ حِجَاباً مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
وينتفع الآباء بدعائهم لهم واستغفارهم، فقد ثبت عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: (( تُرْفَعُ لِلْمَيِّتِ بَعْدَ مَوْتِهِ دَرَجَتُهُ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَيُّ شَيْءٍ هَذِهِ؟ فَيُقَالُ: وَلَدُكَ اسْتَغْفَرَ لَكَ )).
وينتفع الآباء بأجر النفقة التي ينفقونها عليهم، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( مَا أَطْعَمْتَ نَفْسَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَمَا أَطْعَمْتَ وَلَدَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَمَا أَطْعَمْتَ زَوْجَتَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَمَا أَطْعَمْتَ خَادِمَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ )).
وينتفع الآباء والأمهات بصدقتهم وحجهم عنهم، فقد صح عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ: (( أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّيَ افْتُلِتَتْ نَفْسَهَا وَلَمْ تُوصِ، وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، أَفَلَهَا أَجْرٌ، إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ )).
وصح عن بريدة ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: (( بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ، فَقَالَ: وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ، قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا قَالَ: صُومِى عَنْهَا، قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ: حُجِّى عَنْهَا )).
وينتفع الآباء والأمهات بإعمارهم وتحجيجهم لأبنائهم وبناتهم معهم فقد صح: (( أَنَّ امْرَأَةً رَفَعَتْ صَبِيًّا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ» )).
أيها الآباء والأمهات ـ سددكم الله وأعانكم على مراضيه ـ:
أخلوتم بأنفسكم يوماً فسألتموها:
أقمتم برعاية أبنائكم وبناتكم حق الرعاية، أحفظتم عليهم دينهم عن دنس الشرك والبدع، ووسخ المعاصي والقبائح، وظلمة الأحزاب والتحزب؟
أعمرتموهم بالأخلاق الفاضلة النبيلة، والخلال الحسنة المشرقة، والصفات الكريمة الطيبة، والشمائل الجليلة الجميلة؟.
أأحييتم الحياء والمروءة والعفة والطهر في قلوبهم؟.
أأبعدتموهم عن الفساد والعهر والحرام والفواحش والمنكرات؟.
أجنبتموهم أهلها وأماكنها ودعاتها وقنواتها وأجهزتها ونواديها ومحاضنها ومنتدياتها؟.
أحصنتموهم من أفكار وأوحال ومستنقعات اللبرالية والعلمانية اللادينية المتفسخة، وسككها الشهوانية القذرة، ونتنها الزاحف، وتفككها الأسري وتمردها، وتبعيتها لأهل الكفر والشرك، وصدورها عن رأيهم وأمرهم ومذاهبهم؟.
أصرفتموهم عن الأحزاب والجماعات والتنظيمات والفرق والطرق ودعاتها وأفكارها ومذاهبها ومحاضنها وجعلتموهم في حصن معين بنصحكم وتوجيهكم وإرشادكم المتتابة، وإشغالهم عنها بما ينفعهم ويبعدهم عنها؟.
أأنتم من الحافظين لهم أم المضيعين؟.
أيها الآباء والأمهات ـ وفقكم الله لكل خير ورشد ـ:
هل حفظ أم ضيع؟.
من أدخل إلى داره وبيته، وعلى أبنائه وبناته، هذا الإنترنت بمنتدياته ومواقعه المتنوعة، وهذه ط§ظ„ظپط¶ط§ط¦ظٹط§طھ بمحطاتها وقنواتها المتشعبة، وأعدادها المتكاثرة، وأشكالها المختلفة، وأفكارها المتباينة، دون انتباه ومراقبة، وضبط ومتابعة، وتحر ودوام ملاحظة، ووعظ وتذكير، وترهيب وتخويف، وإرشاد وتذكير، وهي تعرض لأبنائه وبناته ما يهدم الدين، ويُضعف الإيمان، ويُبعد عن الإسلام، ويلبس الحق بالباطل، ويُزَيِّن الشرك والبدع، ويجمل الذنب والمعصية، ويَسحق الفضيلة، ويَنشر الرذيلة، ويُدمر الأخلاق، ويُثير الشهوة، ويُذهب الحياء، ويُطفئ الغيرة، ويُميت الطهر، ويَطمس العفة، ويفسد البيوت، ويُدخل الفجور، ويؤجج الفتن، ويباعد عن الجنة، ويقرب من النار، ويغضب فاطر السماوات والأرضين، إنه الله الذي أكرمكم بالبنين والبنات، ومنَّ عليكم بالمال، وتفضل بالصحة والعافية، وأعطاكم الخير كله.
وإن تعجب فاعجب لأعين هؤلاء من البنين والبنات أمام هذه ط§ظ„ظپط¶ط§ط¦ظٹط§طھ ومواقع الإنترنت، حيث تراها شاخصة بشغف وشوق وتلَهُّف لما يُعرض ويُشاهد، وقد لا تسمع لمناديها من أم أو أب، ولا تنتبه لما يقع حولها من أمور، وذلك من قوة التفاعل، وشديد الانتباه، ويا ليت هذا الحال كان لخير، وكان لعلم نافع، وعمل صالح، وزيادة معرفة، ومهنة نظيفة، وحرفة مفيدة، وأخلاق فاضلة.
وإن تُرد أن تزدد عجباً، ويملأك الحزن، ويضيق صدرك ولا ينشرح، فانظر إلى حال بعض الآباء أو الأمهات واسمع إلى ما يقولونه لبعض حين يرون فلذات أكبادهم على مثل هذا الحال، حيث تراهم في أنس يقولون: ارتحنا منهم ومن إزعاجهم، ولكن أنَّى لهم الراحة؟ وكيف يرتاحون؟ والله ـ جل وعلا ـ سائل كل راع عما استرعاه أحفظ أم ضيع؟ حتى يُسأل الرجل عن أهل بيته.
كيف يرتاح من هذا حاله؟ وكيف يطمئن من هذا مصيره؟ أهذا من الوقاية من النار؟ أهذا من أسباب البعد عن عذابها ولأوائها؟.
يقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }.
أهذا من القيام بالرعاية؟ أهذا من الحفظ للأبناء والبنات؟ أهذا من رحمتهم والخوف عليهم، والشفقة بهم؟.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم مهدداً وحاضاً: (( كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا، وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا )) رواه البخاري ومسلم.
والراعي هو: الحافظ المؤتمن بإصلاح ما قام عليه، وما هو تحت نظره.
أيها الآباء والأمهات ـ منَّ الله عليكم بستره في الدنيا والآخرة ـ:
لعل من أكبر أسباب فساد الأبناء والبنات هو تساهل الآباء والأمهات، وتغافلهم وتهاونهم عن القيام بما أوجبه الله عليهم جهة أبنائهم وبناتهم من حفظ ورعاية، وملاحظة ومتابعة وإرشاد.
وفي هذا يقول الإمام المصلح والعالم الناصح والداعية المشفق ابن قيم الجوزية ـ رحمه الله ـ في كتابه “تحفة المودود بأحكام المولود”(ص:337 و 351-352):
فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كباراً، كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال: يا أبت إنك عققتني صغيراً فعققتك كبيراً، وأضعتني وليداً فأضعتك شيخاً كبيراً…
وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه، وإعانته له على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه وحرمه، ففاته انتفاعه بولده، وفوَّت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء …
فما أفسد الأبناء مثل تغَفُّل الآباء، وإهمالهم واستسهالهم شرر النار في الثياب.
فأكثر الآباء يعتمدون مع أولادهم أعظم ما يعتمد العدو الشديد العداوة مع عدوه وهم لا يشعرون، فكم من والد حرم ولده خير الدنيا والآخرة، وعرَّضه لهلاك الدنيا والآخرة، وكل هذا عواقبُ تفريط الآباء في حقوق الله، وإضاعتهم لها، وإعراضهم عما أوجب الله عليهم من العلم النافع، والعمل الصالح: حرمهم الانتفاع بأولادهم، وحرم الأولاد خيرهم ونفعهم لهم، وهو من عقوبة الآباء.اهـ
أيها الآباء والأمهات ـ وقاكم الله من الشرور ـ:
لقد أضر وأفسد كثير من الناس أنفسهم وزوجاتهم وأبناءهم وبناتهم وإخوانهم وأخواتهم بهذه ط§ظ„ظپط¶ط§ط¦ظٹط§طھ التي تصل أعدادها إلى المئات أو الألوف، وهذا الإنترنت الذي يَعُجُّ بعشرات أو مئات الآلاف من المواقع، والتي شرها وشررها كثير وكبير، وضررها مُستطر أكيد، وسوؤها كل يوم في توسع ومزيد، وفسادها بيِّن شديد الوضوح، تعجُّ بالقبائح، وتمتلئ بالفضائح، وتفوح من الفجور، وتزفر من العفن، وتسيل بالفتن.
فتن تحرق الدين، وفتن تحرق العقل، وفتن تحرق الأخلاق، وفتن تحرق الأعراض، وفتن تحرق البيوت.
فتن تفسد العباد والبلاد، وتورث الذل والهوان، وتجلب الخزي والعار، وتسلط الأعداء والفجار، وتوقع في العقوبات والدمار.
فتن الشبهات المضلة، وفتن الشهوات المضرة، وفتن الأحزاب والانتماءات، وفتن النساء وتكشفهن وتعريهن والاختلاط معهن والاتصال بهن، وفتن الشاذين جنسياً والشاذات، وفتن المسارح والمراقص والسينما، وفتن الدعارة والزنا، وفتن عمل قوم لوط.
ويا لله كم فسد وانحط وفسق وفجر وانحرف وانحلَّ بسبب هذه ط§ظ„ظپط¶ط§ط¦ظٹط§طھ ومواقع الإنترنت من الأبناء والبنات؟ وكم انتشر بسببها من الّمنكرات والقبائح والفواحش والفتن والأفكار المُضلَّة الهدَّامة؟ وكم فُضح بسببها من رجل وامرأة؟ وكم أُخزي بسببها من بيت وعائلة بعد ستر وحسن ذكر؟ وكم أعقبت من رذيلة وفجور بعد طهر وعفة وفضيلة؟ وكم تُرك بسببها من صلاة وصيام وطاعة؟ وكم زادت بسببها من ذنوب وآثام وسيئات؟.
أيها الآباء والأمهات ـ رزقكم الله حسن العمل ـ:
دونكم بعض الطرق التي تخفف من شر هذه الفضائيات، وتقلل من ضرر مواقع الإنترنت على أبنائكم وبناتكم لعلكم ترشدون:
الطريق الأول:
أن تُحيوا وتنموا في قلوب أبنائكم وبناتكم خشية الله تعالى وإجلاله وتعظيمه ومراقبته في السر وفي العلن، وأنه إن لم تكونوا ترون ما يفعلون ويشاهدون ويسمعون ويقولون ويكتبون ويصاحبون ويماشون ويجالسون ويتابعون فإنه مطلع عليهم أين ما كانوا، وفي أي وقت كانوا، وبالليل والنهار، وفي الخلوة والبروز، ومع الأصحاب والصاحبات، يرى ما يعملون، ويسمع ما يقولون، ويعلم ما يضمرون وينوون فعله ومقارفته، لا تخفى عليه خافية، ولا يعزب عنه مثقال ذرة.
وأنه بيده تعالى وحده أخذ أنفسهم، وإنهاء آجالهم، وقطع حياتهم، وختم أعمارهم، فقد يأخذها وهي تُشاهد وتَسمع الحرام، وقد يُنهيها وهي تُكلم وتُهاتف من لا يحل محادثته، وقد يقطعها وهي تكتب الحرام في الإنترنيت أو الهاتف الجوال، وقد يختمها وهي تقترف المنكر، وتزاول المعصية، وأنه كم من ذكر وأنثى قد أُخذت روحه وهو يقول لنفسه: غداً أتوب إلى الله وأُنيب، غداً أُقلع عن الذنوب والآثام، غداً أستقيم وأهتدي، غداً أكون من الصالحين المتقين.
وذكروهم بأن للذنوب والمعاصي والآثام والسيئات آثاراً قبيحة مذمومة، تضر بقلوبهم وأبدانهم في الدنيا والآخرة، فهي تسبب ظلمة القلب ووحشته وقساوته ووهنه وضعفه عن الخير، وتعسِّر على العبد أموره، وتحرمه لذة العبادة والازدياد من الطاعة، وتوقعه في الإكثار من المعاصي، وتُهينه بعدم الاكتراث بها، وتسبب هوانه على ربه، وسقوطه من عينه، وتورثه الذُل والهوان، وتسلط عليه الأشرار والفجار، وتضعف غيرته وحياءه ومروءته وفضيلته، وتخذله أوقات الشدائد والمحن، وتزيل النعم عنه، وتحل النقم ولأسقام والمصائب والفتن به، وتمحق بركة العمر، وبركة الرزق، وبركة العلم، وبركة العمل، وبركة الطاعة، وتوقع في غضب الله ومقته وسخطه وعقوبته، وتضعف من تعظيمه وإجلاله ووقاره.
الطريق الثاني:
أن يُقَلَّل من أعداد شاشات التلفزيونات وأجهزة الكمبيوترات في البيت.
وإن مما يُؤسف ويُحزن أن ترى بعض الآباء والأمهات ـ بصَّرهم الله بما ينفع وما يضر ـ يتساهلون في هذا الأمر شديداً، فترى في مجلس البيت شاشة تلفزيون، وفي الصالة شاشة ثانية، وفي غرفة النساء شاشة ثالثة، وفي غرفة الذكور شاشة رابعة، وفي غرفة الإناث شاشة خامسة، وفي غرفة النوم شاشة سادسة، وفي غرفة الصغار شاشة سابعة، وربما كانت هذه الأجهزة بأنواع مختلفة، وشاشات عريضة، وماركات مشهورة، وأسعار باهضة.
والوالد أو الوالدة بهذا الفعل، وهذا التوسع قد أساءا إلى نفسيهما إساءة بالغة، وأساءا إلى أبنائهما وبناتهما إساءة شديدة، وإساءتهما قد حصلت من جهات:
الجهة الأولى: أساءا إلى نفسيهما حيث أهدرا أمولاً ليست بالقليلة ولا بالهينة في غير وجهها السليم، ومحلِّها الطيب، وطريقها النافع المثمر، وهما مسئولان يوم القيامة حين يقفان بين يدي ربهما عن مالهما الذي أهدراه من أين اكتسباه؟ وفيما أنفقاه؟.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ؟ )) وقد صححه الإمام الترمذي والمنذري وابن باز والألباني.
الجهة الثانية:
أساءا إلى نفسيهما حيث أكثرا من السيئات والخطايا في صحيفة أعمالهما التي سيلقيان بها ربهما يوم الحشر والمساءلة والجزاء.
وذلك لأن كل من يُشاهِد أو يسمع من الكبار أو الصغار، البنين أو البنات، الزوجات أو الزوار، عبر هذه الشاشات شيئاً من المحرمات ينالهما بسببه شيء من الوزر والإثم، لأنهما أو أحدهما هو مشتري هذا الجهاز، وهو مَن مكنّهم من مشاهدة ما فيه، وسهَّله لهم،، ولو لم يأت به أو يفتحه لما شاهدوا الحرام الذي يظهر فيه ولا سمعوه ولا تأثروا به، ولا ريب أن الإعانة على الإثم بأي وجه كان إثم وذنب وخطيئة، وقد زجر الله ـ عز وجل ـ المؤمنين أن يكونوا من المُعِينين على ذلك فقال سبحانه: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }.
الجهة الثالثة:
أساءا إلى أبنائهما وبناتهما حيث لم يقوما برعايتهم حق الرعاية، ولم يعملا على حفظهم عن أسباب الشر والفساد والفتن، بل عرَّضوهم لمشاهدة وسماع المنكر والحرام والفجور والرذيلة والضلال عن طريق هذه الأجهزة، وهوَّنُوها في نفوسهم، ويسَّروها وسهلوها عليهم من جهة الشراء والأعداد والأنواع والمشاهدة والاستخدام والأوقات.
لأنه لو كان في غرفة الذكور جهاز، وفي غرفة الإناث جهاز، أو كان لكل واحد منهم في غرفته جهاز، لكان في ذلك تسهيلاً عليهم، وتيسيراً لهم، فيشاهدوا ويسمعوا من الحرام ما شاءوا، وفي أي وقت شاءوا، وبأوقات طويلة، وفي الليل والنهار.
الطريق الثالث:
أن يُجعل التلفزيون أو الكمبيوتر المتصل بالإنترنت في مكان واحد عام أو مكشوف من البيت.
ويُستحسن أن يكون هذا المكان كثير الاستطراق، عليه دخول وخروج وجلوس ومرور من أهل البيت وساكنيه، فإذا أراد أحد الخروج أو الدخول إلى المنزل مرَّ به، وإذا أراد أحد الخلاء مرَّ به، وإذا أراد أحد المطبخ مرَّ به، وإذا أراد أحد غسل الثياب مرَّ به، وإذا أراد أحد المحادثة أو الإجابة عبر الهاتف دخل إليه فكلم منه وأجاب.
وهذا يخفف عن ط§ظ„ظˆط§ظ„ط¯ظٹظ† والأبناء والبنات من الإثم، ويحفظهم عن مقارفة عدد كبير من المهلكات والمفسدات، حيث يُعيقهم عن مشاهدة أو سماع كثير من المحرمات والمنكرات والقبائح والرذائل عبر هذه الأجهزة، لأن النفس تفعل من الحرام في السِّر أكثر مما ما تفعله في العلن، ويصدها عنه في العلن أكثر مما يصدها عنه في السِّر، إذ يجتمع عليها في العلن عدة موانع وعوائق وصوارف، فيمنعها الخوف من ط§ظ„ظˆط§ظ„ط¯ظٹظ† وعقوبتهما، ويصرفها الحياء من الأبوين والإخوة والأخوات والجد والجدة، ويحجزها الخوف من الفضيحة بعد الستر وحسن السيرة والذكر.
الطريق الرابع:
أن لا يُجعل لكل واحد من الذكور أو الإناث غرفة خاصة به، بل يجعل الذكور كلهم في غرفة واحدة، والإناث كلهن في غرفة واحدة.
وذلك لأن جعل غرفة واحدة لكل فرد، تجعله يُدخل إليها ويضع بها من الأجهزة المضرة المضلة ما شاء، ويتمكن فيها من مشاهدة وسماع ما شاء من المفسدات والمهلكات، ومقارفة العديد من المحرمات والمنكرات، والاتصال بمن شاء من أصحاب الفساد والرذيلة وصاحباته، ومن شاء من أهل الأفكار العلمانية واللبرالية المضلة، والتكفيرية المنحرفة، والفرق والجماعات المخالفة للسنة، وإدخال ما شاء من الأفلام والأشرطة والسيديهات أو الصور المحرمة أو المنشورات المنحرفة.
وجعل الذكور في غرفة واحدة والإناث في غرفة واحدة حتى ولو بلغوا ولم يتزوجوا بعد يُضعف من وقوعهم في حبائل الشيطان، وشِراك أهل الشر والفساد والباطل، ويُخفف من ملابستهم للشر، ومقارفتهم للحرام أكثر مما لو كان لكل واحد منهم غرفة خاصة به، لا يطلع عليه فيها أحد.
إذ يحجزهم حياء بعضهم من بعض، ويصرفهم خشية بعضهم على بعض أن يكون مثيله في فعل الحرام، ويعيقهم خوف بعضهم من بعض أن يخبر عنه الوالد أو الوالدة بما يُشاهِد ويرى، ومن يُحادث ومع من تتكلم، وماذا يُمارس، وماذا تفعل؟.
الطريق الخامس:
أن يُجعل جهاز استقبال الإنترنت ( المودم ) في مكان آمن من البيت، بعيد عن متناول أيدي الجميع.
بحيث يسهل تحكم الوالد أو الوالدة به من جهة الوقت والحاجة، فيفتح في أوقات الحاجة، وفي ساعات محدودة، وفي أثناء تواجد غالب أهل البيت أو كبيرهم، ويُغلق في أوقات الخشية والخوف على الأبناء والبنات، وأوقات خلو البيت من الرقيب والمتابع، أو الوالد والوالدة.
الطريق السادس:
أن يُشترى للكمبيوترات التي في البيت وبأيدي الأبناء والبنات برامج حماية شديدة.
وتكون وظيفة هذه البرامج حجب مواقع الفساد والرذيلة، ومنتديات الفجور والعُهر، والإباحية الخسيسة، والشاذين جنسياً والشاذات، وملتقيات أهل المخدرات والمسكرات، وشبكات أصحاب المذاهب اللبرالية والعلمانية الهدامة للدين والفضيلة، والفرق الضالة المنحرفة عن السنة، وفلول التكفير والتفجير.
ثم ليتفقد الآباء والأمهات ويتنبهوا إلى تاريخ بداية عمل هذه البرامج وانتهاء صلاحيتها كي يجددوه أو يبدلوه بغيره، ولا يستكثروا الدنانير والدراهم في سبيل حفظ أبنائهم وبناتهم، وتقليل دخول الشر والفساد عليهم، فإن قيمتها أقل بكثير من قيمة الأجهزة، وهم مساءلون عنهم يوم القيامة، وهذه البرامج من طرق الحفظ والرعاية، ويدفع الله بها شراً كبيراً، وفساداً عريضاً، وفسقاً كثيراً.
وإن كان الوالد له خبرة بالكمبيوترات فسهلٌ عليه معرفة هذه البرامج والتعامل معها، وإن لم تكن عنده خبرة فليستعن بغيره من أخ غيور أو صاحب صالح أو فنيٍّ ثقة، ولا يستح أو يتردد أو يتساهل.
أيها الآباء والأمهات ـ جملكم الله بخشيته ـ:
لا يقل أحدكم أني إذا وضعت هذه الأجهزة في بيتي وكثَّرتها فأنا على ثقة بأبنائي وبناتي، فإنه قولٌ بعيد عن السداد والرشاد، وليس من حديث المصلحين، ولا من كلام المحسنين الخائفين، فإن المؤمن لا يأمن على نفسه الوقوع في ما حرم الله، وولوج باب الإثم والمعصية، إذ كيف يأمن وبين جنبيه نفس أمارة بالسوء، والشيطان لا يزال يغذيها ويزين لها الحرام، وأهل الباطل يدعون ويحسنون، والمحرمات قريبة منه، وبين يديه، يستطيع مشاهدتها وسماعها، ويَسْهل عليه فعلها ومقارفتها، وإذا كان هذا حاله مع نفسه، فكيف يأمن على غيره؟.
بل كيف يأمن على أبنائه وبناته، وهم أصغر منه في السن، وأقل منه بصيرة بالأمور والعواقب، وأنقص منه معرفة بالشر وأهله ودعاته ومكائدهم، وأضعف منه تجربة وحِنكة ودراية؟.
وبعض من يقول هذا يعلم عدم صدق نفسه فيه، لأنه إذا خلا بنفسه مع المحرمات في مكان ليس معه فيه أحد، ولا يشاهده فيه إنسان، يشعر بضعف نفسه، وصعوبة مقاومة رغباتها، وربما استسلم وولج.
وقد ثبت عن ابن أبي مليكة ـ رحمه الله ـ أنه قال: (( أَدْرَكْتُ ثَلاَثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ )).
وخوفهم هذا حاصل مع قوة إيمانهم، وعظم خشيتهم لله، وكِبَر خوفهم منه، وقوة السلطان في أزمانهم، وعظم الحياء في مجتمعهم، وقلة الفساد والمحرمات في بلدانهم، فما ذا نقول نحن بعدهم.
وقال ابن سيرين ـ رحمه الله ـ: (( مَا عَلَيَّ شَيءٌ أَخْوَفُ مِنْ هَذِهِ الآيَةِ: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } )).
أيها الأبناء والبنات ـ قواكم الله على طاعته ـ:
إن حفظكم وحمايتكم من شرور القنوات الفضائية ومواقع الإنترنيت بفعل الأسباب المعينة على ذلك، ليس من التضييق عليكم، ولا من الكبت لكم، ولا من الإضرار بكم، بل هو من الرحمة بكم، والشفقة عليكم، والحرص على أن لا تكونوا من المعذبين، ولا في عداد الخاسرين، وإن كبرتم وأدركتم فستشكرون، وإن أصبح لكم ذرية فستذكرون، وإن لقيتم ربكم يوم العرض والنشور فستسعدون.
وحق من فعل هذا معكم من ط§ظ„ظˆط§ظ„ط¯ظٹظ† أو الإخوة الكبار هو الشكر لا الكفران، والإحسان لا الإساءة، والمحبة لا البغض، والإجلال لا العبوس، والدعاء لا السفه، والقبول لا الرد، والطاعة لا المعصية، والإعانة لا التقصير والتفريط، وإظهار الفرح والسرور والعرفان لا الضيق والكدر والنكد والتضجر والتذمر.
وفي الختام أسأل الله ربي وربكم أن يحفظ علينا ديننا وأهلنا وذريتنا، ويقينا من السوء ودعاته وأهله وقنواته ومواقعه، ويكفينا شر الكفار، ومكر الفجار، وكيد الضلال، وفساد المفسدين، وتلبيس المنحرفين، ويتم علينا ستره في الدنيا والآخرة، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وكتبه:
عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.
وكان أصل هذه الكلمة خطبة جمعة، ثم زيد فيها قليلاً.
j.,d] hg,hg]dk hgvpdldk f’vr jrgdg Hqvhv hgtqhzdhj ,hgYkjvkdj ugn hgfkhj ,hgfkdk