"إني أعالج أمراً لا يُعين عليه إلا الله، قَدْ فَنِيَ عليه الكبير، وكبر عليه الصغير، وفصح عليه الأعجميّ، وهاجر عليه الأعرابيّ، حتى حسبوه ديناً لا يرون الحقّ غيره" [1].
لا زالت هذه العبارة البليغة التي قالها الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز ترسم لنا صورة ط§ظ„ظ…ط¹ظ„ظ… ط§ظ„ظ…ط³ظ„ظ… في هذه الأيام، وإن لم يعد هذا ط§ظ„ظ…ط¹ظ„ظ… (يعالج) الأمر الذي يهمّه كما كان خامس الخلفاء الراشدين رحمه ط§ظ„ظ„ظ‡ ورضي عنه يفعل.
لا شك أن الذين ما زالوا يعالجون أمر التربية والتعليم من المعلمين المسلمين يعانون مثلما عانى عمر، ولكنهم أفذاذ قليلون لا يُقاسون بالكثرة الكاثرة التي تعكس صورة الحيرة والتردد حيناً وصورة الغفلة والضياع أحياناً.
وممّا لا سبيل إلى إنكاره أنّ ط§ظ„ظ…ط³ظ„ظ… في هذه الأيام معلماً وغير معلم مُوَزّعٌ بين إسلامٍ يأمره بالمعروف، وواقع يغريه بالمنكر أو يُكرهه عليه إكراهاً، وأنّ هذه الحال تعرقل عمل ط§ظ„ظ…ط¹ظ„ظ… وتزيد معاناته أضعافاً مضاعفة! فبحسب ط§ظ„ظ…ط¹ظ„ظ… ط§ظ„ظ…ط³ظ„ظ… المعاصر أن المَثَل التربويّ الأعلى الذي يُراد له أن يصبّ تلاميذه في قالبه هو التربية الغربية الغريبة التي يتولى كبرها ويضع مناهجها وبرامجها رجال لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر [2]، وبحسب ط§ظ„ظ…ط¹ظ„ظ… أنّ له شركاء في التربية يحادّونه ويعادونه: يُفسدون إذا أصلح، ويهدمون إذا بنى، ويُدمّرون إذا عمّر، وأنهم وهذا أدهى وأمرّ يملكون من ط£ط³ط¨ط§ط¨ النجاح في الإفساد والهدم والتدمير، ما لا يملك هو مثله ولا دونه في الإصلاح والبناء والتعمير، وأنّ الهدم أهون من البناء كما أن القائمين عليه أمضى سلاحاً وأكثر عدداً: فلو أَلْفُ بانٍ خلفهم هادم كَفَى فكيف ببانٍ خلفه أَلْفُ هادم؟! وبحسب ط§ظ„ظ…ط¹ظ„ظ… كذلك أنّ نجاح عمله موقوف على كفاءة النظام التربوي السائد، وعلى اضطلاع الأسرة بواجباتها، وعلى قيام وسائل الإعلام بمسئولياتها، بل وعلى كون المجتمع بكافة قطاعاته ومؤسساته ساعياً بصدق وقوة إلى تحقيق الغاية الكبرى من الحياة الدنيا، وهي عبادة ط§ظ„ظ„ظ‡ تعالى وتعبيد الأجيال له سبحانه…
فإنْ صَحّ ذلك وإنّه لصحيح فهل تبقى على ط§ظ„ظ…ط¹ظ„ظ… حجة إن غفل أو فشل أو نكص على عقبيه؟! نعم؛ لأن تفريط أحد لا ظٹظƒظˆظ† حجة لأحد، ولأنّ ط£ط³ط¨ط§ط¨ الفشل وإن تعددت وتجمعت لا تُبطل طظ‚ط§ظ‹ ولا تُحقّ باطلاً؛ ولأن المسلمين لا يكونون إمّعات، ولا يقول قائلهم: وهل أنا إلا من غَزِيّة إنْ غوتْ غويتُ وإنْ ترشدْ غزيّة أرشد إنّ إحجام مَنْ يُحجم عن أداء واجبه لا يسقط وجوب الواجب، ونكوص من ينكص من أهل المسئولية لا يُحلّ لغيره النكوص، ولا يُبطل ذلك ولا يقدح فيه ما ظٹظƒظˆظ† بين درجات المسئولية ومستوياتها من التكامل والتكافل وصِلات التأثّر والتأثير، بل الحق الذي لا ريب فيه أنّ فشل الأفشال ونكول الناكلين ما هو في أعراف المجاهدين الصابرين إلا دوافع إلى مزيد من الصبر والثبات: ومَن تكن العلياء همّة نفسه فكلّ الذي يلقاه فيها مُحبّبُ والنفوس الكبيرة تثق بفضل ربها وقدرته ورحمته، أكثر مما تثق بالقوى الخاصة والظروف المحيطة، وطاعة ط§ظ„ظ„ظ‡ تعالى حقّ على الفرد والمجتمع وإن كثرت الأعباء وثقلت التكاليف، وبلوغُ الهدف كما يقول ط§ظ„ط¯ظƒطھظˆط± محمد عبد ط§ظ„ظ„ظ‡ دراز رحمه ط§ظ„ظ„ظ‡ تعالى يتطلب تأسيس العمل على نيّة تستهدف أعلى درجات الكمال المستطاع، وإلا كان التوقف والتهافت والنكوص؛ ولذا يأمرنا القرآن الكريم بأن نجاهد في ط§ظ„ظ„ظ‡ حقّ الجهاد، وأن ننشد الأفضل، ونُسابق على المراتب الأولى، ويأمرنا ط±ط³ظˆظ„ ط§ظ„ظ„ظ‡ صلى ط§ظ„ظ„ظ‡ عليه وسلم أن نقنع ونرضى بما قسم ط§ظ„ظ„ظ‡ لنا من نعيم الدنيا، وأن نسمو إلى مَنْ هم أَسْمى منا في مضمار التقوى والعمل الصالح.
يقول: «خصلتان من كانتا فيه كتبه ط§ظ„ظ„ظ‡ شاكراً صابراً، ومن لم تكونا فيه لم يكتبه ط§ظ„ظ„ظ‡ لا شاكراً ولاصابراً: مَنْ نظر في دينه إلى من هو فوقه فاقتدى به، ونظر في دنياه إلى من هو دونه فحمد ط§ظ„ظ„ظ‡ على ما فضّله به عليه، كتبه ط§ظ„ظ„ظ‡ شاكراً صابراً، ومن نظر في دينه إلى من هو دونه، ونظر في دنياه إلى من هو فوقه فأسف على ما فاته منها لم يكتبه ط§ظ„ظ„ظ‡ شاكراً ولا صابراً» [3].
ومن الثابت قطعاً أنّ ط§ظ„ظ„ظ‡ تعالى لم يكلّف نفساً إلا وسعها، ولم يأمرها إلا بما تستطيع؛ ولكن الوُسْعَ في قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إلاَّ وسْعَهَا} [البقرة : 286]، والاستطاعة في قوله عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] لا يدل أيّ منهما على تكليف الفرد أو الجماعة ببذل أدنى الجهد؛ بل كلاهما دليل على التكليف ببذل أعظم الجهد، وهذا ظاهر في كلمة {وسْعَهَا}.
قال الرازي: والوُسْع والسّعة بالفتح الجدة والطاقة، وأَوْسَع الرجل صار ذا سَعَة وغنى ومنه قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات: 47] أي أغنياء قادرون، والتوسيع خلاف التضييق.. [4]، وقال صاحب الظلال في تفسير قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] فهي حدود الطاقة إلى أقصاها بحيث لا تقعد العصبة المسلمة عن سبب من ط£ط³ط¨ط§ط¨ القوة يدخل في طاقتها) [5]؛ ولذا كان ط§ظ„ظ…ط³ظ„ظ… بعشرة من الكفار في حال قوته، وباثنيْن منهم في حال ضعفه كما نص على ذلك قوله تعالى: {إن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِّنَ الَذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ (65) الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 65، 66].
ولو جاز لامرئ أن يُقيم حركة حياته على الأخذ بالرّخَص، للزم أرباب المسئوليات الكبرى والمعلمُ منهم أن يقيموها على العزائم، والأمة المسلمة هي أمة جهاد واجتهاد على كل حال؛ وهذا المعنى جليّ في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200].
فهل صبر ط§ظ„ظ…ط¹ظ„ظ… وصابر؟ وهل بذل وسعه، وأدّى ما عليه من حقّ الجهاد والاجتهاد؟ ما بال أكثر أبناء المسلمين إذاً يتأسّوْن بـ (نجوم الفنّ) و (أبطال الكرة)، ويلتمسون المجد في ملاعب الرياضة ودور الأزياء ومعاهد التمثيل؟! بل ما بال الأمة عامة تستبدل بالأعمال الجليلة ألفاظاً طنانة، وبالمبادئ العظيمة شعارات تافهة، وبالجهاد في سبيل ط§ظ„ظ„ظ‡ أشكالاً عقيمة من الشجب والنّدب والتنديد والاحتجاج؟! لقد سقط ط§ظ„ظ…ط¹ظ„ظ… إلا من رحم ط§ظ„ظ„ظ‡ في مستنقع الواقع، وأصبح قانعاً بشرح ما بين يديه من معلومات أيّاً ما كانت مكتفياً بحشو رؤوس تلاميذه بها دون أدنى اهتمام ببناء الشخصية المسلمة، القادرة على التأثير والتغيير، وهكذا اتّخذت المظاهر الجوفاء أرباباً تُعبد من دون الله، وتَحَوّل أكثر طلبة العلم إلى (مرتزقة)، لا يرون فيه إلا سبباً لكسب الرزق، أو سبيلاً إلى تحقيق الوجاهة الاجتماعية، ونسي الطالب والمعلم كلاهما أنّ العلم لا يُطلب في شرعة الإسلام إلا للعمل، وأنّ كلاً من العلم والعمل عبادة يبتغى بها وجه ط§ظ„ظ„ظ‡ والدار الآخرة، وأنّ الأجيال التي تتخرج في المدارس والجامعات وهي لا تعرف معروفاً، ولا تنكر منكراً إلا ما أُشربتْ من هواها ليست من العلم على شيء.
إنّ الغاية من التربية والتعليم هي نفسها الغاية من خلق ط§ظ„ظ„ظ‡ تعالى الإنسان في هذه الدنيا: أن تُعمر الأرض وفق مقتضى المنهج الإلهي العظيم، فما ينبغي لمعلم مسلم أن يهون عليه عمله حتى يصبح مجرد دروس تُلقى، ثم يتفرق الطلبة بعدها أشتاتاً، ثم يُسألون عنها فينجحون أو يرسبون، وما ينبغي للغاية العظمى أن تتحول من إعداد أجيال تحمل مسئولية الدعوة إلى ط§ظ„ظ„ظ‡ على بصيرة، إلى تخريج أجيال تحمل الشهادات، وتميل مع الشهوات، ثم لا ظٹظƒظˆظ† أكبر همّها إلا أنْ تتقلّد الوظائف، وتُخلد إلى الأرض، وترضى من الدنيا بمتاعها الرخيص! كلا، بل التعليم تربية للأقوياء الأمناء، العلماء العاملين، الذين لا يزالون «ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر ط§ظ„ظ„ظ‡ وهم كذلك» [6]، ولقد وعى أسلافنا الأوائل ذلك حقّ الوعي ، وأخلصوا له كل الإخلاص، فوفّقهم ط§ظ„ظ„ظ‡ تعالى لتخريج أجيال عالمة عاملة، تجعل رضوان ط§ظ„ظ„ظ‡ عز وجل غاية غاياتها، وتتخذ من عقيدة الإسلام قوام حياتها، كما تتخذ من الحلال والحرام مقياساً لسلوكها وضابطاً لتصرفاتها.
إنّ ط§ظ„ظ„ظ‡ تعالى لم يخلقنا عبثاً ولن يتركنا سدى، وإنّ ذلّنا المعاصر ليُشير إلى انحراف خطير عن صراط الغاية التي خُلقنا من أجلها ، والتي نحن محاسبون على تحقيقها ، فكان طظ‚ط§ظ‹ علينا أن نُغَيِّر ما بأنفسنا من انحراف ليغيّر ط§ظ„ظ„ظ‡ تعالى ما بنا من ذلّ: {إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}[الرعد: 11]، وليت شعري ما فَرْقُ بين مَنْ أسلم لله تعالى ومَنْ لم يسلم إذا استويا في الافتتان بزهرة الحياة الدنيا، ولم يعلما أنّ ما عند ط§ظ„ظ„ظ‡ خير وأبقى؟! إن ط§ظ„ظ„ظ‡ تعالى لم يأمرنا إلا بالسعي الذي يحقّق شَرْطي الإخلاص والإصابة، فما نحن بمسئولين عن تحقيق النتائج وقطف الثمرات: على المرء أن يسعى إلى المجد جهده وليس عليه أن تتم الرغائب حسبنا أن نخلص ديننا لله ربنا، وأن نحرص على أن نكون الأمناء الأقوياء، فإن وُفّقنا إلى تحقيق طلبتنا وبلوغ غايتنا، فذلك فضل ط§ظ„ظ„ظ‡ علينا، وإلا فقد أبرأنا ذممنا واعتذرنا إلى ربنا.
قال تعالى في شأن الناهين عن المنكر من بني إسرائيل: {وَإذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 164، 165].
إنّ العمل نفسه مقصود في نظر الإسلام؛ ولذا قال عليه الصلاة والسلام: «إنْ قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فاستطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها فله بذلك أجر» [7]، ولا ريب أن نتيجة العمل مطلوبة بقوة، ولكنها ليست شرطاً في قيام العمل نفسه، وإلا لكفّ الناس عن العمل بمجرد تحقيق النتائج، على أن ذلك لا يعني أبداً عدم الاهتمام بالنتائج، فلا بد من درس النتائج ومراجعتها والوقوف على ط£ط³ط¨ط§ط¨ تحققها أو تخلّفها، واستخلاص العِبَر المستفادة منها، ومن ثم تقويم العمل نفسه على ضوئها، ويبقى المعيار الأمثل لنجاح أي عمل في نظر هذا الدين هو أن يُرضي ط§ظ„ظ„ظ‡ عز وجل، وبهذا المعنى لا يُخفِق عَمَلُ عاملٍ مسلم ما دام يجمع بين فضيلتي الإخلاص من جهة والصواب (بموافقة الشرع) من جهة أخرى.
فليكن كل معلم مسلم على بصيرة، وليعلم واقعه وواجبه، ثم ليأت من ذلك الواجب ما استطاع.
ومن يدري فلعل ط§ظ„ظ„ظ‡ تعالى يبارك عمل المعلمين العاملين، فيكشف بهم ما نزل بأمتهم من هوان وخذلان، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
منقول للافادة
hglugl hglsgl ,hgi]t hgfud] Hojd Hsfhf hggi hgl,q,u hgju]] hg];j,v hgvplk hgih]t center color fsl fi`h pjn d[f odvh [.h; [.h; hggi odvh di]dkh prhW d;,k vfkh vs,g size ulvhk ,gh ;lh
بسم الله الرحمن الرحيم
أصبت أختي بهذا الموضوع الهادف
تفريط أحد لا يكون حجة لأحد، ولأنّ أسباب الفشل وإن تعددت وتجمعت لا تُبطل حقاً ولا تُحقّ باطلاً؛
ربنا يهدينا ويهدي كل مسؤول حتى يؤدي مسؤوليته كما يجب
جزاك الله خيرا أختي